محمد كيشو يثير جدلاً وغضباً في مصر بعد قراره تمثيل الولايات المتحدة أولمبياً
في تطور أثار موجة واسعة من الجدل والغضب داخل الأوساط الرياضية والشعبية في مصر خلال الأسابيع الماضية، أعلن المصارع الأولمبي المصري البارز محمد إبراهيم السيد، المعروف باسم "كيشو"، نيته تمثيل الولايات المتحدة الأمريكية في المنافسات الدولية المقبلة، بما في ذلك دورة الألعاب الأولمبية لوس أنجلوس 2028. جاء هذا الإعلان بعد أن نشر كيشو صوراً له وهو يتدرب مع المنتخب الأمريكي، ما فجر نقاشاً حاداً حول دعم الرياضيين ومستقبل المواهب المصرية.

خلفية الأزمة: من هو محمد كيشو؟
يعتبر محمد إبراهيم كيشو أحد أبرز الرياضيين المصريين في المصارعة الرومانية. حقق إنجازاً تاريخياً لمصر بحصوله على الميدالية البرونزية في وزن 67 كجم في دورة الألعاب الأولمبية "طوكيو 2020" (التي أقيمت عام 2021)، ليصبح بذلك أول مصارع مصري وعربي يحصد ميدالية أولمبية في المصارعة الرومانية منذ أولمبياد أثينا 2004. هذا الإنجاز رفع من مكانته كبطل قومي وأيقونة رياضية في بلاده. وقد كان يُنظر إليه كأحد أبرز الآمال المصرية في تحقيق المزيد من الميداليات في الدورات الأولمبية القادمة.
لكن، وعلى الرغم من بريقه الأولمبي، لم يخف كيشو في مناسبات سابقة تذمره من ظروف الدعم المادي والمعنوي التي يتلقاها في مصر. فقد صرح مراراً أنه كان يتقاضى راتباً شهرياً زهيداً، بلغ 1500 جنيه مصري، وهو مبلغ لا يتناسب إطلاقاً مع مكانته كبطل أولمبي ومتطلبات التدريب الاحترافي والتجهيز للمنافسات العالمية. هذه التصريحات كانت تلقى صدى محدوداً قبل إعلانه الأخير، لكنها أصبحت الآن محور الجدل الدائر.
التطورات الأخيرة وإعلان كيشو
تصاعدت الأزمة عندما نشر محمد كيشو مؤخراً صوراً له عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهره وهو يرتدي زي المنتخب الأمريكي ويشارك في تدريبات مكثفة برفقتهم. تبع ذلك إعلان صريح منه عن قراره بالانضمام للمنتخب الأمريكي وتمثيل الولايات المتحدة في البطولات الدولية. وذكر أن هذه الخطوة جاءت بحثاً عن بيئة احترافية توفر له الدعم الكافي والظروف المثلى لتحقيق طموحاته الرياضية الكبرى، خاصة الاستعداد لأولمبياد لوس أنجلوس 2028.
أكد كيشو أن قراره لم يكن سهلاً وأنه يحمل في قلبه حباً كبيراً لبلاده، لكن الحاجة إلى تطوير مستواه وتأمين مستقبله الرياضي دفعته لاتخاذ هذا الطريق. وألمح إلى أن الولايات المتحدة قدمت له فرصاً لم يجدها في مصر، تشمل تدريباً على أعلى مستوى، رعاية صحية متكاملة، ودعماً مادياً يضمن له التفرغ الكامل للرياضة دون القلق بشأن الجوانب المعيشية.
ردود الفعل المصرية: بين الغضب والتفهم
أثار إعلان كيشو ردود فعل متباينة وحادة في مصر. يمكن تلخيصها في الآتي:
- الغضب الرسمي والشعبي: أعربت العديد من الجهات الرسمية والشخصيات الرياضية البارزة عن صدمتها وغضبها من قرار كيشو. اعتبر البعض أن هذا بمثابة "خيانة" للوطن الذي استثمر فيه ورفع اسمه في المحافل الدولية. طالبت أصوات عديدة بمحاسبة المسؤولين عن هذا الفشل في الاحتفاظ بالبطل.
- اتهامات بالتقصير: وجهت انتقادات لاذعة للاتحاد المصري للمصارعة ووزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية المصرية، متهمة إياهم بالتقصير في توفير الدعم اللازم للرياضيين، وهو ما يدفعهم للبحث عن فرص أفضل في الخارج.
- دعوات للإصلاح: دعا محللون ورياضيون سابقون إلى ضرورة مراجعة شاملة لسياسات رعاية الأبطال الرياضيين في مصر، وتقديم حوافز أفضل لهم لضمان عدم تكرار مثل هذه الحالات.
- موجة من التفهم والتعاطف: على الجانب الآخر، أبدى قطاع واسع من الجمهور والمتابعين تفهمهم لقرار كيشو، مستذكرين تصريحاته السابقة عن ضعف الدعم المادي. تعاطف هؤلاء مع البطل، مؤكدين أن من حقه البحث عن مستقبل أفضل وأن اللوم يقع على المنظومة الرياضية التي فشلت في تقدير قيمة إنجازاته وتوفير احتياجاته الأساسية كرياضي محترف.
- مقارنات دولية: ذكر بعض المعلقين أن ظاهرة تجنيس الرياضيين شائعة عالمياً، وأن دولاً عديدة تسعى لاستقطاب المواهب من مختلف أنحاء العالم لتعزيز فرقها الوطنية.
تداعيات القرار وآثاره المستقبلية
قرار محمد كيشو بتمثيل الولايات المتحدة يحمل تداعيات كبيرة على عدة مستويات:
- على المستوى الشخصي لكيشو: يفتح هذا القرار أمامه أبواباً لفرص تدريبية ومعيشية أفضل، وقد يمهد الطريق لتحقيق المزيد من الإنجازات الأولمبية تحت علم جديد. لكنه في الوقت نفسه قد يواجه بعض الانتقادات من جمهوره السابق في مصر.
- على الرياضة المصرية: تمثل هذه الحادثة خسارة فادحة للرياضة المصرية بفقدان أحد أبرز أبطالها ومنافسيها على الميداليات الأولمبية. كما أنها تسلط الضوء بشدة على الثغرات الموجودة في نظام دعم ورعاية الرياضيين، وقد تكون حافزاً لإجراء إصلاحات حقيقية أو قد تؤدي إلى تكرار حالات مماثلة مستقبلاً إذا لم تتغير الظروف.
- على ظاهرة تجنيس الرياضيين: تعيد هذه القضية الجدل حول أخلاقيات تجنيس الرياضيين وتأثيرها على الهوية الوطنية والولاء الرياضي. فبينما يرى البعض أنها حرية شخصية وحق للاعب في البحث عن الأفضل، يعتبرها آخرون إضعافاً للمنتخبات الوطنية الأم.
في الختام، تبقى قضية محمد كيشو مؤشراً على تحديات أكبر تواجه الرياضة في العديد من الدول النامية، حيث تتصادم أحلام الرياضيين الكبار مع واقع محدودية الدعم والإمكانيات. وبينما تتجه الأنظار نحو دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس 2028، فإن مشاركة كيشو تحت العلم الأمريكي ستكون بلا شك محط أنظار ومصدر نقاش مستمر حول هذا القرار المصيري.




