مصر: المحكمة الإدارية العليا تقضي ببطلان نتائج الانتخابات في 26 دائرة برلمانية
في تطور قضائي وسياسي بارز خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة يناير 2011، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر سلسلة من الأحكام التي قضت ببطلان نتائج انتخابات مجلس الشعب في 26 دائرة انتخابية. هذه القرارات، التي صدرت في أوائل عام 2012، شكلت ضربة قوية لشرعية أول برلمان منتخب بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك وأثارت جدلاً واسعاً حول سلامة العملية الانتخابية وقانونيتها.

خلفية الأحكام القضائية
جاءت هذه الأحكام استجابة للعديد من الطعون التي قدمها مرشحون خاسرون ومحامون، والتي استندت إلى وجود مخالفات جوهرية في تطبيق قانون الانتخابات. تركزت الطعون بشكل أساسي على المادة التي سمحت لمرشحي الأحزاب السياسية بالترشح على المقاعد الفردية، والتي كان من المفترض أن تكون مخصصة للمستقلين. جادل مقدمو الطعون بأن هذه الممارسة منحت الأحزاب، وخصوصاً الكبيرة منها كحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، ميزة غير عادلة وأخلّت بمبدأ تكافؤ الفرص الذي نص عليه القانون الانتخابي آنذاك.
تفاصيل القرارات وتأثيرها المباشر
درست دوائر المحكمة الإدارية العليا الطعون المقدمة من مختلف الدوائر الانتخابية على مستوى الجمهورية، ووجدت أدلة كافية على وجود خروقات إجرائية وقانونية تستوجب إبطال النتائج في 26 دائرة. لم تؤد هذه الأحكام إلى حل البرلمان بشكل فوري، لكنها أحدثت حالة من الإرباك السياسي الشديد وزعزعت استقرار مجلس الشعب الذي كان قد بدأ أعماله للتو. وقد أدت هذه القرارات إلى ما يلي:
- فقدان عدد من النواب لمقاعدهم: ألزمت الأحكام بإعادة الانتخابات في الدوائر التي تم إبطال نتائجها، مما يعني أن النواب الفائزين فيها فقدوا عضويتهم بشكل مؤقت لحين إجراء انتخابات جديدة.
- تشكيك في شرعية المجلس: أثارت القرارات تساؤلات جدية حول شرعية المجلس بأكمله، حيث اعتبرت القوى المعارضة أن العيوب التي أبطلت الانتخابات في هذه الدوائر قد تكون موجودة في دوائر أخرى لم يتم الطعن فيها.
- تمهيد الطريق لقرار أكبر: اعتبر العديد من المحللين أن أحكام المحكمة الإدارية العليا كانت مقدمة لخطوة قضائية أكبر، حيث كانت الأنظار تتجه نحو المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية قانون الانتخابات برمته.
السياق الأوسع وحل البرلمان
كانت قرارات بطلان الانتخابات في الدوائر الـ26 مؤشراً واضحاً على العيوب الدستورية التي شابت القانون الذي أجريت على أساسه الانتخابات البرلمانية. وبالفعل، في 14 يونيو 2012، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً تاريخياً بعدم دستورية المواد المتعلقة بانتخاب ثلث مقاعد البرلمان المخصصة للمقاعد الفردية، وهو ما ترتب عليه اعتبار المجلس بأكمله باطلاً منذ انتخابه. استند الحكم الدستوري إلى نفس المنطق القانوني الذي اعتمدت عليه المحكمة الإدارية، مؤكداً أن السماح للمنتمين للأحزاب بالمنافسة على مقاعد المستقلين يخالف مبادئ المساواة والعدالة. بناءً على هذا الحكم، تم حل مجلس الشعب، مما أدخل البلاد في دوامة جديدة من الاستقطاب السياسي الذي هيمن على المشهد المصري في السنوات اللاحقة.



