مصر تتفوق على المغرب في إيرادات صفقات اللاعبين
كشفت تقارير حديثة صادرة عن المرصد الدولي للدراسات الرياضية CIES، والتي تغطي العقد الأخير من نشاط سوق انتقالات اللاعبين العالمي، عن تفوق ملحوظ لمصر على المغرب في حجم الإيرادات المالية المحققة من بيع اللاعبين. هذا التفوق يضع مصر في صدارة دول شمال إفريقيا والمنطقة في هذا الجانب الاقتصادي الهام لكرة القدم، مسلطًا الضوء على استراتيجيات الأندية المصرية في تطوير وبيع المواهب.

تُعد صفقات انتقالات اللاعبين موردًا اقتصاديًا حيويًا للأندية والاتحادات الكروية حول العالم، وتعتبر مؤشرًا على قوة الدوريات المحلية في إنتاج وتصدير المواهب. وقد أبرز تقرير CIES هذا التباين في الأداء المالي بين دولتين عربيتين رائدتين في القارة الإفريقية، مما يثير تساؤلات حول العوامل الكامنة وراء هذا الاختلاف في العوائد.
خلفية تقارير CIES وأهميتها
يُعرف المرصد الدولي للدراسات الرياضية (CIES Football Observatory) بتحليلاته المعمقة لسوق انتقالات اللاعبين، حيث يقدم بيانات وإحصائيات شاملة حول قيم اللاعبين، تكلفة الصفقات، وحجم الإيرادات التي تحققها الأندية والدوريات. تغطي هذه التقارير عادةً فترات زمنية طويلة لتقديم رؤى شاملة للاتجاهات السائدة. وفي سياق التقرير الأخير الذي شمل الفترة من 2014 إلى 2024، برزت أربع دول عربية ضمن قائمة البلدان الأكثر تحقيقًا للعائدات من صفقات الانتقالات، مما يؤكد الدور المتزايد للمنطقة في سوق كرة القدم العالمي.
تعتمد منهجية CIES على جمع وتحليل بيانات الانتقالات من مختلف الدوريات والاتحادات، وتقديم تقديرات دقيقة لقيم اللاعبين بناءً على عوامل متعددة مثل العمر، الأداء، مدة العقد، وقوة الدوري. هذه التقارير لا تقتصر على مجرد أرقام، بل توفر فهمًا أعمق للديناميكيات الاقتصادية التي تحكم عالم كرة القدم.
تفوق مصر في توليد الإيرادات
تشير البيانات إلى أن الأندية المصرية، وعلى رأسها عمالقة الكرة مثل الأهلي والزمالك، بالإضافة إلى أندية صاعدة مثل بيراميدز، قد نجحت في تحقيق إيرادات كبيرة من بيع اللاعبين إلى الدوريات الأوروبية والخليجية. ويعزى هذا النجاح إلى عدة عوامل رئيسية:
- قوة الدوري المحلي: يتمتع الدوري المصري بمتابعة جماهيرية واسعة ومستوى تنافسي عالٍ، مما يسهم في تطوير اللاعبين ورفع قيمتهم السوقية.
- الأكاديميات وأنظمة الكشافة: استثمرت الأندية الكبرى في أكاديميات قوية ونظم كشافة فعالة لاكتشاف وتطوير المواهب الشابة، مما يوفر باستمرار لاعبين جاهزين للانتقال.
- العقود الاحترافية والتسويق: تطورت قدرة الأندية المصرية على إدارة عقود اللاعبين وتسويقهم بشكل فعال، مما يسمح لها بالحصول على عوائد مجزية عند بيعهم.
- الطلب الإقليمي والدولي: هناك طلب مستمر على اللاعبين المصريين في الدوريات الخليجية، وعدد متزايد منهم ينتقل إلى أوروبا، مما يزيد من فرص البيع بعائدات مرتفعة.
هذا التفوق يعكس استراتيجية طويلة المدى لعدد من الأندية المصرية التي باتت تعتمد على بيع اللاعبين كمصدر دخل أساسي، إلى جانب الأداء الرياضي.
أداء المغرب والتحديات
في المقابل، ورغم أن المغرب يمتلك دوريًا قويًا ولاعبين موهوبين على مستوى عالٍ، وتعتبر أنديته مثل الوداد الرياضي والرجاء الرياضي من أبرز الفرق في القارة، إلا أن إيراداته من صفقات اللاعبين جاءت أقل من نظيرتها المصرية في العقد الأخير. ويُمكن تفسير هذا الفارق بعدة نقاط:
- ديناميكيات السوق: قد تختلف استراتيجيات الأندية المغربية في التفاوض على صفقات البيع، أو قد تكون قيمة الصفقات التي تتم مع الدوريات الأوروبية (خاصة الفرنسية والبلجيكية والهولندية) أقل في بعض الأحيان مقارنة بالصفقات الكبرى التي تشهدها مصر مع دوريات ذات قدرة شرائية أعلى.
- الاحتفاظ باللاعبين: قد تفضل بعض الأندية المغربية الاحتفاظ بنجومها لفترة أطول لتحقيق الأهداف الرياضية المحلية والقارية، مما يؤجل أو يقلل من عدد الصفقات الكبرى.
- التركيز على التصدير لأوروبا: غالبًا ما يتجه اللاعبون المغاربة الموهوبون إلى أوروبا مباشرة في سن مبكرة، مما قد يجعل الأندية المحلية تحصل على حصة أقل من الصفقات اللاحقة (آليات التضامن والتدريب) مقارنة بالاستثمار في لاعبين يتم بيعهم لاحقًا بقيمة أعلى.
يظل المغرب مصدرًا غنيًا للمواهب الكروية، لكن يبدو أن هناك تباينًا في كيفية تحويل هذه المواهب إلى إيرادات مالية ضخمة مقارنة بمصر في الفترة المذكورة.
الآثار والتداعيات المستقبلية
إن القدرة على تحقيق إيرادات عالية من بيع اللاعبين لها تداعيات إيجابية كبيرة على الأندية والدوريات. فهي تساهم في الاستقرار المالي للأندية، وتمكنها من الاستثمار في البنية التحتية، وتطوير الأكاديميات، واستقطاب لاعبين ومدربين بجودة أعلى. كما أنها تعكس قوة الدوريات المحلية وقدرتها على إنتاج المواهب القادرة على اللعب في المستويات العالمية.
بالنسبة لمصر، يعزز هذا التفوق مكانتها كلاعب رئيسي في سوق انتقالات كرة القدم الإفريقي والعربي. وقد يشجع الأندية على مواصلة الاستثمار في تطوير اللاعبين وتسويقهم بشكل احترافي. أما بالنسبة للمغرب، فربما يدعو هذا التقرير إلى إعادة تقييم استراتيجيات الأندية لتعظيم العوائد المالية من ثروتها الكروية الهائلة، مع الأخذ في الاعتبار الحفاظ على التوازن بين الأداء الرياضي والأهداف المالية.
من المتوقع أن يستمر سوق انتقالات اللاعبين في التطور، وأن تشهد الدول الإفريقية والعربية تنافسًا أكبر في جذب الكشافين والوكلاء وتعزيز قدراتها على تصدير المواهب بقيم مرتفعة، بما ينعكس إيجابًا على مستوى اللعبة واقتصادها في المنطقة.





