إسرائيل تعلن المنطقة الحدودية مع مصر منطقة عسكرية مغلقة
في خطوة ذات تداعيات استراتيجية كبيرة، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية في أواخر شهر مايو 2024 عن قرارها بتحويل المنطقة المحاذية للحدود مع مصر في جنوب قطاع غزة، والمعروفة باسم محور فيلادلفيا، إلى منطقة عسكرية مغلقة. وصدر هذا الإعلان عن وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي أكد أن هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز السيطرة الأمنية ومنع عمليات تهريب الأسلحة إلى القطاع، إلى جانب تغيير قواعد الاشتباك لمواجهة التهديدات المستجدة مثل الطائرات المسيّرة.

خلفية القرار وسياقه الاستراتيجي
يأتي هذا القرار في خضم العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة في مدينة رفح، والتي بدأت في وقت سابق من شهر مايو. ويمثل محور فيلادلفيا، أو محور صلاح الدين كما يُعرف فلسطينياً، شريطاً حدودياً ضيقاً يمتد لنحو 14 كيلومتراً على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر. اكتسب هذا المحور أهمية استراتيجية قصوى بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، حيث نصت اتفاقية فيلادلفيا الموقعة بين إسرائيل ومصر على نشر قوات حرس حدود مصرية على طوله لمنع التهريب والأنشطة غير المشروعة. وظل المحور منذ ذلك الحين نقطة حساسة في الترتيبات الأمنية بين البلدين.
تعتبر إسرائيل السيطرة على هذا الممر حيوية لتحقيق أهدافها المعلنة في الحرب، وعلى رأسها القضاء على القدرات العسكرية لحركة حماس ومنعها من إعادة تسليح نفسها في المستقبل. وتتهم إسرائيل الحركة باستخدام شبكة أنفاق معقدة تحت المحور لسنوات طويلة لتهريب الأسلحة والمقاتلين والمعدات، وهو ما تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
الأهداف المعلنة والتطورات الميدانية
بررت إسرائيل قرارها بالحاجة الماسة لفرض سيطرة عملياتية كاملة على المنطقة الحدودية. وأوضحت أن إعلانها منطقة عسكرية مغلقة يمنح الجيش الإسرائيلي صلاحيات أوسع للعمل بحرية، وتقييد حركة المدنيين، وتطبيق قواعد اشتباك أكثر صرامة للتعامل مع أي تحركات مشبوهة. الهدف الأساسي هو تفكيك البنية التحتية للأنفاق التي تدعي إسرائيل وجودها بكثافة في المنطقة. وبالفعل، أعلن الجيش الإسرائيلي بعد سيطرته على المحور عن اكتشاف عدد من فتحات الأنفاق التي يجري العمل على تدميرها.
وقد سبق هذا الإعلان الرسمي تقدم القوات الإسرائيلية برياً وسيطرتها على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وهو المنفذ الوحيد لقطاع غزة الذي لا تسيطر عليه إسرائيل مباشرة، مما أدى إلى إغلاقه بالكامل وتوقف حركة المسافرين وتدفق المساعدات الإنسانية من خلاله.
التداعيات والمواقف الإقليمية والدولية
أثار القرار الإسرائيلي توتراً ملحوظاً في العلاقات مع مصر، التي تعتبر شريكاً استراتيجياً رئيسياً لإسرائيل في المنطقة. وقد حذرت القاهرة مراراً من مغبة قيام إسرائيل بعملية عسكرية في رفح والسيطرة على محور فيلادلفيا، معتبرة ذلك انتهاكاً للاتفاقيات الأمنية الموقعة بين البلدين وتهديداً لأمنها القومي. وتخشى مصر من أن يؤدي التصعيد العسكري إلى موجة نزوح جماعي للفلسطينيين نحو أراضيها في سيناء، وهو ما ترفضه بشكل قاطع.
وقد تجلت هذه التوترات الميدانية في وقوع حادث إطلاق نار على الحدود بين جنود مصريين وإسرائيليين أواخر مايو، مما أسفر عن مقتل جندي مصري. وفيما يلي أبرز المواقف وردود الفعل:
- الموقف المصري: أعربت مصر عن رفضها الشديد للخطوة الإسرائيلية، مؤكدة أنها تقوض جهود الوساطة لوقف إطلاق النار وتزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.
- الموقف الإسرائيلي: تصر إسرائيل على أن السيطرة على المحور ضرورة أمنية لا يمكن التنازل عنها لضمان عدم عودة حماس إلى سابق قوتها.
- المخاوف الإنسانية: حذرت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية دولية من أن إغلاق معبر رفح والعمليات العسكرية في المنطقة يفاقمان الكارثة الإنسانية في القطاع، ويمنعان وصول المساعدات الحيوية إلى أكثر من مليون نازح في جنوب غزة.
يمثل إعلان محور فيلادلفيا منطقة عسكرية مغلقة نقطة تحول مهمة في الصراع، حيث يغير الواقع الجغرافي والأمني على حدود غزة بشكل جذري، ويضع العلاقات المصرية الإسرائيلية أمام اختبار صعب، بينما يعمق الأزمة الإنسانية لسكان القطاع.




