إسرائيل تعلن حدود غزة مع مصر منطقة عسكرية مغلقة: الأبعاد والتداعيات
في خطوة أثارت قلقاً إقليمياً ودولياً واسعاً، أعلنت السلطات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة أن المنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر، والمعروفة باسم محور فيلادلفيا، هي منطقة عسكرية مغلقة. يأتي هذا القرار في سياق العمليات العسكرية الإسرائيلية الموسعة في مدينة رفح جنوبي القطاع، وقد أدى إلى سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، مما أفرز تداعيات سياسية وأمنية وإنسانية خطيرة على المنطقة بأسرها.

خلفية تاريخية واتفاقيات حاكمة
تستمد المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة أهميتها الاستراتيجية من اتفاقيات تاريخية، أبرزها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد) الموقعة عام 1979. نصت المعاهدة على ترتيبات أمنية معقدة في شبه جزيرة سيناء، تضمنت إنشاء منطقة منزوعة السلاح أو محدودة التسليح على طول الحدود لضمان الاستقرار ومنع أي تهديدات عسكرية. وظل محور فيلادلفيا، وهو شريط ضيق يمتد على طول الحدود بطول 14 كيلومتراً، تحت السيطرة الإسرائيلية حتى بعد الانسحاب من سيناء.
بعد انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من غزة عام 2005، تم توقيع اتفاقية فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل، والتي سمحت لمصر بنشر قوات محدودة من حرس الحدود بأسلحة خفيفة على جانبها من الحدود بهدف مكافحة التهريب والتسلل. وقد أكدت هذه الاتفاقية على ضرورة التنسيق المشترك وأي تغيير في الوضع الأمني القائم يتطلب موافقة الطرفين.
التطورات الأخيرة والقرار الإسرائيلي
جاء القرار الأخير بإعلان المنطقة عسكرية مغلقة كجزء من أهداف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت في أعقاب هجمات 7 أكتوبر 2023. تبرر إسرائيل هذه الخطوة بضرورة تحقيق السيطرة العملياتية الكاملة على حدود غزة لمنع تهريب الأسلحة والوسائل القتالية إلى القطاع، وتدمير شبكة الأنفاق التي تزعم أن حركة حماس تستخدمها، والقضاء على ما تبقى من كتائبها في رفح.
عملياً، يعني تحويل المنطقة إلى عسكرية مغلقة فرض قيود صارمة على حركة الأفراد، بما في ذلك المدنيون وعمال الإغاثة، ومنح الجيش الإسرائيلي صلاحيات كاملة للعمل في المنطقة دون عوائق. وكانت النتيجة المباشرة لهذا القرار هي السيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني وإغلاقه بالكامل، وهو الشريان الحيوي الرئيسي لدخول المساعدات الإنسانية وخروج المرضى والجرحى من القطاع.
التداعيات والآثار المحتملة
يحمل هذا التصعيد الإسرائيلي تداعيات متعددة الأوجه، تؤثر على جميع الأطراف المعنية وتزيد من تعقيدات المشهد المتأزم أصلاً. أبرز هذه التداعيات هي:
- توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية: تعتبر مصر التحرك الإسرائيلي انتهاكاً خطيراً للاتفاقيات الموقعة وتهديداً مباشراً لأمنها القومي. وقد صدرت تحذيرات مصرية متكررة من عواقب أي وجود عسكري إسرائيلي في محور فيلادلفيا، لما يمثله من خرق لمعاهدة السلام التي شكلت ركيزة للاستقرار الإقليمي لأكثر من أربعة عقود.
- تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة: أدى إغلاق معبر رفح إلى توقف شبه تام لتدفق المساعدات المنقذة للحياة، مما يهدد بوقوع مجاعة وانهيار كامل للمنظومة الصحية في القطاع الذي يعاني بالفعل من دمار هائل ونزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص.
- مخاطر أمنية وعسكرية: يزيد الوجود العسكري الإسرائيلي المكثف على بعد أمتار من الحدود المصرية من احتمالية وقوع حوادث احتكاك أو اشتباكات مباشرة بين الجيشين، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب.
- تغيير الواقع الجيوسياسي: تهدف إسرائيل من خلال هذه الخطوة إلى فرض واقع أمني جديد، يمنحها سيطرة مطلقة على جميع منافذ قطاع غزة البرية والبحرية، مما يقوض أي حديث مستقبلي عن سيادة فلسطينية على حدودها.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
قوبل القرار الإسرائيلي برفض وإدانة شديدة من الجانب المصري، الذي أكد على سيادته الكاملة على أراضيه ونفى الادعاءات الإسرائيلية بوجود أنفاق تهريب نشطة عبر الحدود. كما دعت القاهرة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والضغط على إسرائيل لوقف عملياتها في رفح وإعادة فتح المعابر فوراً. على الصعيد الدولي، عبرت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والعديد من الدول الأوروبية عن قلقها البالغ إزاء التداعيات الإنسانية للعملية العسكرية في رفح، وطالبت بضرورة حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات، محذرة من أن توسيع نطاق العمليات قد يزعزع استقرار المنطقة بأكملها.




