في تحليل شامل لسوق انتقالات اللاعبين العالمي، كشف تقرير حديث صادر عن المرصد الدولي للدراسات الرياضية (CIES) أن مصر قد تصدرت الدول العربية، وتحديداً تفوقت على المغرب، في تحقيق أعلى الإيرادات المالية من صفقات بيع اللاعبين خلال العقد الأخير. ويُسلط هذا التقرير، الذي نُشرت تفاصيله في أواخر عام 2023، الضوء على الدور المتنامي لبعض الدول العربية كجهات مصدرة للمواهب الكروية، مما يمثل تحولاً في المشهد الكروي العالمي.

تأتي هذه النتائج في إطار تقرير CIES الدوري الذي يحلل آلاف الصفقات الانتقالية حول العالم، ويقدم بيانات قيمة حول الاتجاهات الاقتصادية في كرة القدم. ويؤكد التقرير أن أربع دول عربية على الأقل قد أدرجت ضمن قائمة الدول الأكثر تحقيقًا للعوائد المالية من صفقات الانتقالات على مدى السنوات العشر الماضية، مما يشير إلى مساهمة كبيرة من المنطقة في الاقتصاد الكروي العالمي.
خلفية سوق الانتقالات العالمية وتأثيره الاقتصادي
يعتبر سوق انتقالات اللاعبين جزءاً حيوياً من الاقتصاد الكروي العالمي، حيث تُقدر قيمته بمليارات الدولارات سنوياً. تتضمن هذه السوق عمليات شراء وبيع اللاعبين بين الأندية في مختلف الدوريات والبلدان، وتؤثر بشكل مباشر على الميزانيات التشغيلية للأندية واستثماراتها في تطوير المواهب والبنية التحتية. لطالما هيمنت الأندية الأوروبية الكبرى على هذا السوق كأكثر المشترين إنفاقاً، ولكن المصدرين للمواهب باتوا يأتون من مناطق متنوعة بشكل متزايد، بما في ذلك أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا.
يعد المرصد الدولي للدراسات الرياضية (CIES) أحد أبرز الهيئات المستقلة التي تقدم تحليلات وإحصائيات معمقة حول كرة القدم، وتعتبر تقاريره مرجعاً أساسياً لفهم ديناميكيات سوق الانتقالات وقيمة اللاعبين والتدفقات المالية المتعلقة بها. وتشير البيانات إلى تحول تدريجي حيث لم تعد الدوريات الأوروبية الكبرى هي الوحيدة القادرة على إنتاج وبيع اللاعبين ذوي القيمة العالية، بل باتت دول مثل مصر والمغرب تلعب دوراً محورياً في هذا الجانب.
تفوق مصر وتألق المغرب: أرقام وعوامل
وفقاً لتحليلات CIES، تجاوزت الإيرادات التي حققتها الأندية المصرية من بيع لاعبيها نظيرتها في المغرب خلال العقد الماضي (تقريباً 2013-2023). يعكس هذا التفوق نجاحاً مصرياً في تصدير المواهب إلى الدوريات الأوروبية والخليجية، محققة بذلك مئات الملايين من الدولارات التي تساهم في تعزيز البنية المالية للأندية المصرية. ورغم عدم ذكر التقرير لأرقام دقيقة، إلا أن الإشارة إلى التفوق تبرز مدى فعالية الاستراتيجيات المتبعة.
من أبرز العوامل التي ساهمت في هذا التفوق المصري هو قدرة الأندية على اكتشاف وتطوير المواهب الشابة، وتوفير بيئة تنافسية قوية في الدوري المصري الممتاز. كما أن وجود وكلاء لاعبين فعالين وعلاقات جيدة مع الأندية الأوروبية ساعد في تسهيل عمليات الانتقال للاعبين المصريين. على الجانب الآخر، حافظت الأندية المغربية أيضاً على مكانة متقدمة في توليد الإيرادات من صفقات اللاعبين، مستفيدة من سمعة الكرة المغربية في إفريقيا والعالم، خاصةً مع النجاحات الأخيرة للمنتخب الوطني في المحافل الدولية.
بالإضافة إلى مصر والمغرب، أشار التقرير إلى وجود دول عربية أخرى مثل المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة ضمن قائمة الدول التي حققت عوائد كبيرة، وذلك بفضل استثماراتها المتزايدة في كرة القدم وامتلاكها للاعبين ذوي قيمة سوقية عالية، بالإضافة إلى انتقال بعض لاعبيها إلى دوريات خارجية.
عوامل النجاح المشتركة وراء الصدارة العربية
يمكن إرجاع نجاح كل من مصر والمغرب، وكذلك باقي الدول العربية البارزة في هذا المجال، إلى عدة عوامل رئيسية:
- الاستثمار في أكاديميات الشباب: تولي الأندية الكبرى في مصر والمغرب اهتماماً متزايداً بتطوير أكاديميات كرة القدم لاكتشاف ورعاية المواهب منذ سن مبكرة.
- قوة الدوريات المحلية: يوفر كل من الدوري المصري والمغربي منصة تنافسية قوية للاعبين لإظهار قدراتهم وتطوير مستواهم، مما يلفت أنظار الكشافين الدوليين.
- جودة اللاعبين المصدرين: أثبت اللاعبون من هذه الدول قدرتهم على التأقلم والنجاح في الدوريات الأوروبية، مما يعزز سمعتهم ويرفع قيمتهم السوقية.
- إدارة الصفقات الاحترافية: تلعب الإدارة الجيدة لصفقات الانتقال دوراً حاسماً في تحقيق أقصى عائد مالي، بما في ذلك التفاوض على بنود العقود والاستفادة من البيمة المستقبلية للاعبين.
التأثير والتداعيات على مستقبل كرة القدم العربية
إن تحقيق هذه الإيرادات الكبيرة له آثار إيجابية متعددة على كرة القدم في المنطقة. فمن الناحية الاقتصادية، تتيح هذه الأموال للأندية إعادة الاستثمار في البنية التحتية، وتطوير الملاعب، وتحديث مرافق التدريب، وتحسين رواتب المدربين واللاعبين. هذا بدوره يعزز من جودة كرة القدم المحلية ويرفع مستوى المنافسة.
وعلى الصعيد الرياضي، فإن تصدير المواهب يساهم في اكتساب اللاعبين الخبرة في أعلى المستويات العالمية، مما يعود بالنفع على المنتخبات الوطنية. فوجود لاعبين محترفين في أقوى الدوريات يعزز من قوة المنتخبات الوطنية ويزيد من فرصها في تحقيق النجاحات في البطولات القارية والدولية، كما شهدنا مع المنتخب المغربي مؤخراً.
ومع ذلك، يطرح هذا الاتجاه أيضاً تحديات، أبرزها ضرورة الموازنة بين الحاجة إلى تحقيق إيرادات مالية من بيع اللاعبين والحفاظ على قوة وتنافسية الدوريات المحلية. فالخروج المستمر لأبرز المواهب قد يضعف من جاذبية الدوريات المحلية على المدى الطويل إذا لم يتم تعويضهم بلاعبين بنفس المستوى أو بالاستثمار المستمر في جيل جديد من المواهب.
آفاق المستقبل
يبدو أن الدور الذي تلعبه الدول العربية كمصادر للمواهب في سوق الانتقالات العالمية مرشح للاستمرار والتوسع. ومع ازدياد الكشافين الأوروبيين اهتماماً بالمواهب الإفريقية والعربية، من المتوقع أن تواصل مصر والمغرب، وغيرها من الدول، تحقيق عوائد مالية مجزية. يتطلب ذلك استمرار الاستثمار في قطاعات الشباب والناشئين، وتحديث أساليب التدريب، وتعزيز الاحترافية في إدارة الأندية وصفقات الانتقال للحفاظ على هذه المكانة وتعزيزها في المستقبل.





