مصر تقود جهوداً دولية في "قمة القاهرة للسلام" لإنهاء الصراع في غزة
في محاولة لاحتواء الأزمة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة ووقف دوامة العنف، استضافت العاصمة المصرية القاهرة في 21 أكتوبر 2023 "قمة القاهرة للسلام". هدفت القمة، التي دعا إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى حشد جهود دولية وإقليمية عاجلة لبحث سبل خفض التصعيد وحماية المدنيين، وإعادة إحياء مسار السلام في الشرق الأوسط.

خلفية وسياق القمة
جاء انعقاد القمة في توقيت حرج، بعد أسبوعين فقط من اندلاع الصراع بين إسرائيل وحركة حماس في 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في قطاع غزة. ومع تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي وفرض حصار شامل على القطاع، برزت الحاجة إلى تحرك دبلوماسي عاجل. وسعت مصر، بحكم دورها التاريخي كوسيط رئيسي في القضية الفلسطينية وجوارها الجغرافي المباشر مع غزة، إلى توحيد الرؤى الدولية حول ضرورة الوقف الفوري للأعمال العسكرية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام.
أبرز المشاركات والمواقف
شهدت القمة حضوراً دولياً وإقليمياً واسعاً، حيث شارك فيها قادة وزعماء وممثلون رفيعو المستوى من أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية، من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بالإضافة إلى وزراء خارجية ومسؤولين من دول عربية وأوروبية مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة. ومع ذلك، لوحظ غياب تمثيل رفيع المستوى من الولايات المتحدة وإسرائيل، مما ألقى بظلاله على قدرة القمة على تحقيق نتائج فورية وملموسة.
عكست كلمات المشاركين تبايناً واضحاً في المواقف، مما سلط الضوء على الانقسام الدولي العميق حول كيفية التعامل مع الأزمة:
- الموقف المصري والعربي: شدد الرئيس السيسي في كلمته الافتتاحية على رفض مصر القاطع لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، معتبراً ذلك بمثابة "تصفية للقضية الفلسطينية". ودعت الدول العربية بشكل موحد إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود، والعودة إلى مسار حل الدولتين باعتباره الأساس الوحيد لتحقيق سلام دائم وعادل.
- الموقف الأوروبي والدولي: بينما أدان الممثلون الأوروبيون هجمات حماس، أكدوا على ضرورة التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني في ردها العسكري، وشددوا على أهمية حماية أرواح المدنيين. ركزت مواقفهم بشكل عام على أهمية الحلول الدبلوماسية وتجنب اتساع رقعة الصراع في المنطقة.
نتائج القمة وتحدياتها
على الرغم من أهميتها كمنصة للحوار الدولي، انتهت القمة دون التوصل إلى بيان ختامي مشترك. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الخلافات الجوهرية بين الكتلتين العربية والغربية حول أولويات البيان. أفادت مصادر دبلوماسية بأن نقطة الخلاف الرئيسية تمثلت في إصرار الدول الغربية على إدراج إدانة صريحة ومباشرة لحركة حماس، وهو ما قوبل برفض من الجانب العربي الذي طالب بالتركيز على الوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية وإدانة استهداف المدنيين الفلسطينيين دون تمييز.
شكل هذا الانقسام تحدياً كبيراً أمام بلورة موقف دولي موحد يمكنه ممارسة ضغط فعال على الأطراف المتحاربة. ومع ذلك، نجحت القمة في تسليط الضوء عالمياً على خطورة الوضع الإنساني وضرورة التحرك العاجل لإنقاذ حياة المدنيين.
الأهمية والدور المصري المستمر
رغم عدم إصدارها بياناً مشتركاً، شكلت "قمة القاهرة للسلام" خطوة دبلوماسية بالغة الأهمية. فقد أكدت على محورية الدور المصري في المنطقة كقوة استقرار ولاعب لا يمكن تجاوزه في أي جهود تهدف إلى حل القضية الفلسطينية. كما أتاحت القمة فرصة للدول العربية لتنسيق مواقفها وتقديم رؤية موحدة للعالم ترتكز على رفض التهجير وضرورة الحل السياسي.
عقب القمة، واصلت مصر جهودها الدبلوماسية المكثفة، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، للتوسط في محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس أدت إلى هدن إنسانية مؤقتة وصفقات لتبادل الأسرى والمحتجزين. كما يظل معبر رفح البري، الذي تشرف عليه السلطات المصرية، الشريان الرئيسي لدخول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى قطاع غزة، مما يرسخ دور القاهرة كفاعل أساسي في إدارة الأزمة الإنسانية والسياسية المستمرة.





