مصر تلجأ إلى مفيض توشكي لاستيعاب فيضان النيل القياسي
أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية عن تشغيل مفيض توشكي، وهو قناة صناعية ضخمة مصممة لتصريف المياه الزائدة من بحيرة ناصر خلف السد العالي، وذلك كإجراء وقائي للتعامل مع ارتفاع مناسيب المياه خلال موسم فيضان النيل الأخير. ويأتي هذا القرار في إطار استراتيجية الدولة لإدارة مواردها المائية بكفاءة، وضمان سلامة واحد من أهم منشآتها المائية، وهو السد العالي، وتحويل تحدي المياه الزائدة إلى فرصة تنموية.

خلفية عن المشروع وأهدافه الاستراتيجية
يُعد مفيض توشكي جزءاً لا يتجزأ من منظومة السد العالي، حيث تم إنشاؤه في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ليكون بمثابة صمام أمان للبحيرة. يعمل المفيض بشكل تلقائي عندما يصل منسوب المياه في بحيرة ناصر إلى مستوى 178 متراً فوق سطح البحر، حيث يتم تحويل المياه الفائضة عبر قناة صناعية تمتد لمسافة 22 كيلومتراً لتصب في منخفض توشكي بالصحراء الغربية، مكونةً بذلك بحيرات توشكي الصناعية.
ويرتبط المفيض ارتباطاً وثيقاً بـمشروع توشكي القومي، وهو مشروع زراعي عملاق يهدف إلى استصلاح مئات الآلاف من الأفدنة في الصحراء، معتمداً على المياه التي يتم تخزينها في البحيرات. وبهذا، يؤدي المفيض دوراً مزدوجاً: حماية السد من ضغط المياه الهائل خلال الفيضانات العالية، وتوفير مخزون مائي استراتيجي يدعم خطط التنمية الزراعية والأمن الغذائي في مصر.
إدارة الفيضان وتفاصيل التشغيل
جاء قرار فتح المفيض بعد أن سجلت محطات الرصد معدلات تدفق عالية لمياه النيل الأزرق القادمة من الهضبة الإثيوبية، مما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه في بحيرة ناصر بشكل ملحوظ. وأكدت الجهات المسؤولة أن هذا الإجراء روتيني ويتم وفق خطط مدروسة مسبقاً، ويعكس قدرة المنظومة المائية المصرية على التعامل مع مختلف سيناريوهات الفيضان، سواء كانت مرتفعة أو منخفضة.
وتقوم الوزارة بمراقبة دقيقة ومستمرة لمناسيب المياه والإيرادات المائية على مدار الساعة لاتخاذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب. ويشير تشغيل المفيض إلى نجاح السد العالي في تحقيق أهدافه الرئيسية، ليس فقط في تخزين المياه وتوليد الكهرباء، بل أيضاً في حماية مصر من أخطار الفيضانات المدمرة والجفاف على حد سواء.
الآثار المترتبة والفرص التنموية
يحمل تشغيل مفيض توشكي في طياته آثاراً إيجابية متعددة. فعلى المدى القصير، يضمن استقرار وسلامة جسم السد العالي والبنية التحتية المحيطة به. أما على المدى الطويل، فإن تدفق المياه إلى منخفض توشكي يمثل شريان حياة للمشروعات التنموية في جنوب الوادي.
- تغذية الخزان الجوفي: تساهم المياه المتدفقة في إعادة شحن الخزان الجوفي في المنطقة، مما يعزز استدامة الموارد المائية الجوفية.
- دعم التنمية الزراعية: يوفر المخزون المائي في بحيرات توشكي المياه اللازمة لزراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح والنباتات العطرية، مما يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل فاتورة الاستيراد.
- خلق مجتمعات عمرانية جديدة: تشجع المشاريع الزراعية على إنشاء مجتمعات عمرانية متكاملة، مما يساعد في تخفيف التكدس السكاني في وادي النيل الضيق وجذب استثمارات جديدة.
في الختام، يمثل قرار تفعيل مفيض توشكي نموذجاً عملياً للإدارة الحكيمة للموارد المائية، حيث يتم تحويل ظاهرة طبيعية قد تشكل خطراً إلى مورد أساسي للتنمية المستدامة، مما يؤكد على الأهمية الاستراتيجية للبنية التحتية المائية التي شيدتها مصر على مر العقود لحماية أمنها المائي والقومي.




