مصر تنجح في ترميم 8 مسلات أثرية في خطوة تاريخية لحماية تراثها
في خطوة تعكس اهتمامًا متجددًا بالحفاظ على إرثها التاريخي، أعلنت مصر عن نجاحها في ترميم وإعادة نصب ثماني مسلات فرعونية كانت ملقاة في صورة أجزاء متفرقة بمواقع أثرية. وقد سلط الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، الضوء على هذا الإنجاز خلال تصريحات حديثة، معتبرًا أن وجود المسلات المصرية الشهيرة في كبرى العواصم العالمية كان دافعًا رئيسيًا لإطلاق هذا المشروع الوطني الطموح.

خلفية تاريخية: المسلات المصرية حول العالم
لعقود طويلة، كانت المسلات المصرية الشاهقة تزين أشهر الميادين في مدن مثل روما، وباريس، ولندن، ونيويورك، وإسطنبول. هذه المسلات، التي خرجت من مصر في ظروف تاريخية مختلفة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ظلت شاهدة على عظمة الحضارة المصرية القديمة، لكنها في الوقت ذاته، مثلت تذكيرًا دائمًا للمصريين بكنوز أثرية لا تقدر بثمن موجودة خارج أراضيهم. ووفقًا لتصريحات وزيري، فإن رؤية هذه المعالم الأثرية الفريدة وهي تحظى بالاهتمام والتقدير في الخارج، قد أيقظت شعورًا وطنيًا قويًا بضرورة إيلاء اهتمام أكبر بالمسلات التي لا تزال موجودة داخل مصر، خاصة تلك التي تعرضت للإهمال أو التلف على مر الزمن.
مشروع الترميم: جهود غير مسبوقة وتحديات فنية
وصف الخبراء مشروع ترميم المسلات الثماني بأنه الأول من نوعه في تاريخ مصر الحديث من حيث الحجم والنطاق. فبدلاً من التركيز على مسلة واحدة، تبنت الدولة المصرية مشروعًا شاملاً لإنقاذ مجموعة من المسلات التي كانت عبارة عن كتل حجرية متناثرة في موقع صان الحجر الأثري بمحافظة الشرقية، المعروفة تاريخيًا باسم "تانيس". تطلب المشروع جهودًا علمية وهندسية معقدة، شملت عدة مراحل دقيقة، من أهمها:
- التوثيق والتجميع: حصر وتوثيق جميع القطع الحجرية المتناثرة التابعة لكل مسلة وتجميعها باستخدام تقنيات المسح الأثري الحديثة.
 - التنظيف والمعالجة: إزالة الرواسب والأملاح التي تراكمت على أسطح الأحجار على مدى قرون، وتقوية بنية الحجر لمنع تدهوره مستقبلًا.
 - إعادة التركيب والنصب: استخدام أساليب هندسية متطورة لرفع الكتل الحجرية الضخمة، التي يزن بعضها عشرات الأطنان، وإعادة تركيبها بدقة متناهية لإعادة المسلة إلى شكلها الأصلي.
 - التثبيت والعرض: نصب المسلات المرممة على قواعد خرسانية متينة في مواقع جديدة ومميزة تم اختيارها بعناية لإبراز قيمتها التاريخية والجمالية.
 
الأهمية الرمزية والوطنية للمشروع
يتجاوز هذا المشروع كونه إنجازًا أثريًا وهندسيًا، ليمثل رسالة رمزية قوية عن سياسة مصر الجديدة تجاه تراثها. فبعد أن كانت المسلات تُهدى في الماضي، أصبحت الدولة الآن لا تحافظ على ما لديها فحسب، بل تسعى جاهدة لإحياء ما اندثر منه. وقد تم توزيع المسلات المرممة في مواقع استراتيجية بارزة داخل مصر، مثل المتحف المصري الكبير، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، بهدف تزيين هذه المواقع الحديثة برمز من أعرق رموز الحضارة المصرية، وإتاحة الفرصة للمصريين والزوار على حد سواء للاستمتاع برؤيتها والارتباط بتاريخهم. ويؤكد هذا التوجه تحولًا في الفلسفة العامة، من مجرد الحفاظ على الآثار في المتاحف والمواقع المغلقة إلى دمجها في النسيج العمراني والثقافي للمجتمع المصري المعاصر، تأكيدًا على الهوية الوطنية والاعتزاز بالتاريخ.





