مهرجان البحر الأحمر السينمائي: إحياء إرث أم كلثوم السينمائي
كشف مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، في دورته الخامسة التي أقيمت مؤخرًا، عن تفاصيل برنامج "كنوز البحر الأحمر"، الذي يمثل مبادرة طموحة لإعادة إحياء وعرض مجموعة مختارة بعناية من الروائع السينمائية العربية والعالمية. تأتي هذه الخطوة في إطار جهود المهرجان المتواصلة للحفاظ على التراث السينمائي الغني وإعادة تقديمه للجمهور المعاصر. تتصدر قائمة هذه الكنوز السينمائية أعمال أيقونة الغناء العربي الخالدة، أم كلثوم، حيث ستُعرض أفلامها الكلاسيكية مجددًا على الشاشة الكبيرة، في حدث ثقافي بارز يهدف إلى ربط الأجيال الحالية بالإرث السينمائي العربي العريق.

خلفية: أم كلثوم ودورها الرائد في السينما العربية
تُعد السيدة أم كلثوم، المعروفة بلقب "كوكب الشرق"، إحدى أبرز الشخصيات الفنية وأكثرها تأثيرًا في تاريخ الموسيقى العربية والعالمية. لم تقتصر مسيرتها الفنية على الغناء الذي أسر الملايين بصوتها الفريد وأدائها العاطفي، بل امتدت لتشمل عالم السينما في فترة مبكرة من تاريخها. بدأت أم كلثوم خوض التجربة السينمائية في ثلاثينيات القرن الماضي، مستهدفةً بذلك توسيع قاعدة جمهورها والوصول إلى فئات أوسع في العالم العربي، بالإضافة إلى توثيق فنها بشكل مرئي ليظل خالدًا للأجيال القادمة.
شكلت أفلام أم كلثوم، على بساطتها التقنية مقارنة بالمعايير الحديثة، علامات فارقة في زمنها. فقد نجحت في دمج الأداء الغنائي الساحر بالقصص الدرامية المؤثرة، مما قدم تجربة سينمائية متكاملة كانت رائدة في المشهد العربي آنذاك. من أبرز أعمالها السينمائية التي حظيت بشعبية واسعة ولا تزال محفورة في الذاكرة الثقافية فيلم "وداد" الذي أنتج عام 1936، و"سلامة" عام 1945، بالإضافة إلى أعمال أخرى مثل "دنانير" و"فاطمة". هذه الأفلام لا تحمل قيمة فنية فحسب، بل توثق جزءًا مهمًا من تاريخ المجتمع العربي والفن خلال تلك الحقبة.
- أهمية تاريخية: أفلام أم كلثوم توثق حقبة ذهبية من الفن العربي وتجسد التطورات الاجتماعية والثقافية في تلك الفترة.
- تحديات الحفظ: تعرضت العديد من النسخ الأصلية لهذه الأفلام لعوامل التلف والاندثار على مر السنين، مما جعل إعادة عرضها بجودة لائقة يتطلب جهودًا مضنية في الترميم والصيانة.
- تأثير واسع: ساهمت هذه الأفلام في ترسيخ مكانة أم كلثوم كأيقونة فنية تتجاوز حدود الغناء لتشمل التأثير الثقافي الشامل.
برنامج "كنوز البحر الأحمر": استعادة التراث وتقديم تجارب فريدة
يهدف برنامج "كنوز البحر الأحمر" إلى إلقاء الضوء على روائع السينما الكلاسيكية التي قد تكون غابت عن الشاشة لفترة طويلة، أو لم تُعرض بالقدر الكافي لجمهور اليوم. في دورته الأخيرة، يضم البرنامج ست روائع سينمائية مختارة بعناية من الإنتاجات العربية والعالمية، والتي تمثل نقاط تحول في تاريخ الفن السابع. تأتي في صدارة هذه الكنوز إعادة عرض أفلام أم كلثوم بعد عمليات ترميم دقيقة، لتوفر فرصة نادرة لجمهور جديد وكبير للاطلاع على إبداعاتها السينمائية بجودة عالية، وتقدير قيمتها الفنية والتاريخية التي ربما لم يتسن للكثيرين مشاهدتها على الشاشة الكبيرة من قبل.
إلى جانب إحياء أفلام أم كلثوم، يتضمن البرنامج فقرة استثنائية تُبرز الابتكار والتفرد: وهو عرض سينمائي صامت يُعد الأول من نوعه في تاريخ المملكة العربية السعودية يُقدم مصحوبًا بموسيقى حية. هذه التجربة الفريدة لا تهدف فقط إلى الاحتفاء بشكل قديم من أشكال التعبير السينمائي، بل تؤكد أيضًا على التزام المهرجان بتقديم تجارب ثقافية وابتكارية غير تقليدية. هذا العرض يُسهم في إثراء المشهد الثقافي السعودي ويُقدم للجمهور بعدًا جديدًا لتذوق الفن السينمائي، مما يعكس الدور المتنامي للمهرجان كمركز للإبداع والاحتفاء بالسينما.
أهمية المبادرة وتأثيرها الثقافي
تكتسب مبادرة مهرجان البحر الأحمر السينمائي أهمية بالغة تتجاوز مجرد عرض الأفلام، فهي تلامس جوانب متعددة من الحفاظ على الهوية الثقافية وتطويرها:
- الحفاظ على الإرث السينمائي: تُعد هذه الخطوة ضرورية للحفاظ على التراث السينمائي العربي الأصيل وحمايته من الاندثار، وضمان وصوله للأجيال القادمة بجودة تليق بقيمته.
- الترابط الثقافي بين الأجيال: تُمكن الشباب من التعرف على أعمال فنية تاريخية ذات قيمة، وتعزز ارتباطهم بهويتهم الثقافية والفنية الغنية.
- تعزيز مكانة المهرجان: تؤكد هذه البرامج النوعية دور مهرجان البحر الأحمر السينمائي كمنصة رائدة ليس فقط للاحتفاء بالسينما الحديثة والمستقبلية، بل أيضًا ليكون راعيًا وحافظًا لتاريخها العريق.
- دعم المشهد الثقافي الوطني: تندرج المبادرة ضمن الجهود الأوسع للمملكة العربية السعودية لتعزيز قطاعها الثقافي والفني، وتوفير تجارب فنية فريدة ومتنوعة للجمهور المحلي والدولي، مما يعكس رؤية المملكة في بناء مجتمع حيوي ومثقف.
بهذه المبادرات، يؤكد مهرجان البحر الأحمر السينمائي التزامه بأن يكون جسرًا يربط بين عراقة الماضي وإشراق المستقبل، مقدمًا للجمهور رحلة سينمائية غنية ومتنوعة تحتفي بالجمال الفني عبر العصور.



