مهرجان البحر الأحمر يُحيي إرث أم كلثوم بعرض نادر لفيلمين مرممين ضمن برنامج 'كنوز البحر الأحمر'
شهد مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، في نسخته الثالثة التي أقيمت في جدة التاريخية خلال ديسمبر 2023، فعالية ثقافية استثنائية ضمن برنامجه المتميز «كنوز البحر الأحمر»، حيث أعاد إحياء جزء غالٍ من الإرث الفني العربي. تمثلت هذه المبادرة في عرض نادر لفيلمين من روائع كوكب الشرق أم كلثوم، وهما «سلامة» و«فاطمة»، وذلك بعد خضوعهما لعملية ترميم دقيقة وشاملة.

يهدف برنامج «كنوز البحر الأحمر» إلى استعادة وعرض الأفلام الكلاسيكية التي تحمل قيمة تاريخية وفنية عميقة، وتقديمها لجمهور جديد بمعايير تقنية حديثة، مما يضمن استمرارية تأثيرها وحفظها للأجيال القادمة. وقد حظي عرض أفلام أم كلثوم المرممة باهتمام واسع، مؤكداً على مكانة الفنانة الخالدة في وجدان الجمهور العربي والعالمي.
خلفية تاريخية: أم كلثوم والسينما المصرية
تُعد أم كلثوم، الأيقونة الفنية المصرية التي عُرفت بلقب «كوكب الشرق»، ظاهرة فريدة في تاريخ الموسيقى العربية. ورغم أن مسيرتها السينمائية كانت محدودة مقارنة بمسيرتها الغنائية الأسطورية، إلا أن أفلامها القليلة تحمل أهمية ثقافية كبيرة. فكل فيلم من أفلامها كان يمثل حدثاً فنياً يُنتظر بشغف، لا لجمال صوتها فحسب، بل لتجسيدها قيماً اجتماعية وفنية كانت سائدة في عصرها.
أنتجت أم كلثوم ستة أفلام خلال الفترة من 1935 إلى 1947، منها فيلما «سلامة» (إنتاج عام 1945 وإخراج فؤاد الجزايرلي) و«فاطمة» (إنتاج عام 1947 وإخراج أحمد بدرخان). تعتبر هذه الأفلام نوافذ على حقبة ذهبية من السينما المصرية، حيث كانت الأفلام الموسيقية والغنائية تحظى بشعبية طاغية وتُساهم في تشكيل الوعي الثقافي للجمهور. ومع مرور الزمن، تعرضت النسخ الأصلية لهذه الأعمال للتلف والتدهور، مما جعل الحاجة إلى ترميمها ضرورية للحفاظ على هذا الإرث الفني.
عملية الترميم: استعادة بريق الماضي
كانت عملية ترميم فيلمي «سلامة» و«فاطمة» تحدياً فنياً وتقنياً كبيراً. تضمنت هذه العملية معالجة شاملة للنسخ الأصلية التي كانت تعاني من عوامل التلف والزمن، مثل بهتان الألوان، وتدهور جودة الصوت والصورة، والخدوش، والتمزقات. وقد استخدمت أحدث التقنيات الرقمية لإعادة إحياء الفيلمين بأعلى جودة ممكنة، مع الحرص على الحفاظ على جوهر العمل الأصلي وروح الفترة التي أُنتج فيها.
إن الهدف من الترميم لا يقتصر على مجرد إصلاح العيوب الفنية، بل يتجاوز ذلك إلى ضمان استمرارية هذه الأعمال كجزء حي من الذاكرة الثقافية. فمن خلال الترميم، يتمكن الجيل الحالي والأجيال القادمة من مشاهدة هذه الروائع بجودة تقترب من تجربتها الأصلية، مما يُسهم في فهم أعمق للتاريخ الفني والاجتماعي للمنطقة.
برنامج «كنوز البحر الأحمر»: حفظ الذاكرة السينمائية
يُمثل برنامج «كنوز البحر الأحمر» مبادرة رائدة ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ويُكرس جهوده للحفاظ على الأفلام الكلاسيكية العربية والعالمية التي تحتاج إلى عناية خاصة. يُقدم البرنامج فرصة فريدة للجمهور لاستكشاف أعمال فنية نادرة أو منسية، والتي تمثل نقاط تحول في تاريخ السينما. إنه بمثابة جسر يربط بين الماضي السينمائي العريق وحاضر ومستقبل صناعة الأفلام.
- أهمية البرنامج: يبرز «كنوز البحر الأحمر» الدور الحيوي للترميم في حفظ الأفلام كوثائق تاريخية وفنية.
- التنوع: يشمل البرنامج عادة مجموعة متنوعة من الأفلام، من الأفلام الروائية الطويلة إلى الوثائقية وحتى الأفلام الصامتة التي تُعرض أحياناً بموسيقى حية، كما حدث في دورات سابقة للمهرجان.
- إعادة الاكتشاف: يُمكن الجمهور من إعادة اكتشاف أعمال فنية كبرى، أو التعرف عليها لأول مرة، مما يُثري تجربتهم الثقافية.
الأهمية الثقافية والتأثير
لا يقتصر تأثير عرض أفلام أم كلثوم المرممة على الجانب الترفيهي فحسب، بل يمتد ليشمل أبعاداً ثقافية وتعليمية عميقة. فإعادة إحياء هذه الأعمال يُعزز من قيمة التراث الفني العربي ويُسهم في تثقيف الأجيال الجديدة حول تاريخ السينما والموسيقى في المنطقة. كما يُرسخ هذا الحدث مكانة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي كمنصة عالمية لا تحتفي بالإنتاجات الحديثة فحسب، بل تلتزم أيضاً بحفظ وإبراز الإرث السينمائي الثمين.
يؤكد هذا العرض على أن الفن الحقيقي لا يموت، وأن الجهود المبذولة في الترميم والحفظ هي استثمار في الذاكرة الجمعية والثقافة الإنسانية. من خلال هذه المبادرات، يستمر إرث أم كلثوم في إلهام الملايين، وتظل أفلامها شهادة حية على عبقريتها وتأثيرها العابر للأجيال.



