موافقة الدعم السريع على مبادرة الرباعية تضع الجيش السوداني أمام اختبار سياسي
في تطور دبلوماسي لافت، أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على المبادرة التي قدمتها الرباعية الدولية لإنهاء الصراع في السودان. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها مناورة تكتيكية تهدف إلى نقل الضغط إلى قيادة الجيش السوداني، وتضعها أمام خيارات صعبة في ظل استمرار الحرب التي اندلعت في أبريل 2023، والتي أدت إلى تفاقم أزمة إنسانية كارثية في البلاد.

تفاصيل المبادرة الجديدة وموقف الدعم السريع
تتجاوز الخطة المقترحة من الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، مجرد الدعوة إلى هدنة مؤقتة. فهي تطرح إطارًا متكاملًا يهدف إلى تحقيق سلام مستدام، ويرتكز على عدة محاور أساسية، أبرزها وقف شامل لإطلاق النار تحت رقابة دولية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع المناطق المتضررة، بالإضافة إلى وضع ترتيبات أمنية تشمل سحب القوات من المدن والمناطق السكنية.
الأهم من ذلك، أن المبادرة تدعو إلى استئناف عملية سياسية شاملة بمشاركة واسعة من القوى المدنية، بهدف إعادة مسار الانتقال الديمقراطي الذي توقف بسبب النزاع. وقد بررت قوات الدعم السريع قبولها للمبادرة في بيان رسمي بأنه يأتي انطلاقًا من حرصها على "حقن دماء السودانيين ورفع المعاناة عنهم"، مما يظهرها على الساحة الدولية كطرف مستعد للحل السلمي.
الضغوط المتزايدة على الجيش السوداني
تضع هذه الموافقة الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في موقف حرج. فمن جهة، إذا رفض الجيش المبادرة أو ماطل في الرد عليها، فإنه يخاطر بالظهور كمعرقل لجهود السلام، وهو ما قد يعرضه لعزلة دولية وضغوط سياسية واقتصادية متزايدة. ومن جهة أخرى، قد يتطلب قبول المبادرة تقديم تنازلات جوهرية كان الجيش يرفضها سابقًا، خاصة فيما يتعلق بمستقبل قوات الدعم السريع ووضعها ضمن المنظومة العسكرية.
لطالما تمسك الجيش بموقفه الثابت الذي يشترط انسحاب قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، من العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى كشرط مسبق لأي مفاوضات جادة لوقف إطلاق النار. ويبقى الغموض يكتنف ما إذا كانت المبادرة الجديدة تلبي هذا المطلب بشكل يرضي القيادة العسكرية أم أنها تقترح حلولًا وسطًا قد لا تكون مقبولة لديها.
خلفية الصراع وجهود الوساطة المتعثرة
اندلعت الحرب الحالية نتيجة صراع على السلطة بين الجنرالين الحليفين السابقين، تفاقم بسبب خلافات عميقة حول تفاصيل دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، وهي خطوة كانت محورية في اتفاق الإطار السياسي للانتقال إلى حكم مدني. وسرعان ما تحول التوتر إلى مواجهات عسكرية شاملة دمرت أجزاء واسعة من العاصمة ومدن أخرى، وامتدت لتشمل مناطق حساسة مثل دارفور وكردفان.
وقد سبقت هذه المبادرة جهود وساطة عديدة لم تكلل بالنجاح، أبرزها منبر جدة الذي رعته السعودية والولايات المتحدة. ورغم أن تلك المفاوضات أثمرت عن اتفاقات إنسانية وهدن قصيرة الأمد، إلا أنها كانت تُخرق باستمرار من كلا الطرفين، مما أدى إلى جمود العملية التفاوضية وزيادة انعدام الثقة بينهما.
الأبعاد الإنسانية والدولية للأزمة
خلّف الصراع تداعيات إنسانية مدمرة. تشير تقديرات الأمم المتحدة ومنظمات دولية إلى مقتل عشرات الآلاف، بينما تتحدث بعض المصادر عن أرقام قد تصل إلى 150 ألف شخص. كما تسببت الحرب في واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، حيث نزح أكثر من 10 ملايين شخص داخل السودان، ولجأ الملايين إلى دول الجوار مثل تشاد ومصر وجنوب السودان. ويعاني النظام الصحي من انهيار شبه تام في مناطق القتال، بينما يقف ملايين السودانيين على حافة المجاعة.
تعكس المبادرة الرباعية الجديدة شعورًا دوليًا متزايدًا بضرورة احتواء الأزمة التي تهدد بزعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي بأكملها. ومع إعلان الدعم السريع موافقته، تجدد الأمل في إمكانية تحقيق اختراق دبلوماسي، لكن نجاح هذه الجهود يبقى مرهونًا بشكل كامل برد الجيش السوداني وقدرة الوسطاء الدوليين على بناء جسور الثقة بين الطرفين المتحاربين.





