هدوء التوترات الجيوسياسية يدفع أسعار الذهب نحو الانخفاض
شهدت أسعار الذهب في الأسواق العالمية تراجعاً ملحوظاً خلال التعاملات الأخيرة، متأثرة بشكل أساسي بتراجع حدة المخاوف الجيوسياسية التي كانت تدعم المعدن الأصفر كملاذ آمن. يأتي هذا الانخفاض في ظل تفاعل المستثمرين مع مجموعة من العوامل الاقتصادية الكلية، أبرزها قوة الدولار الأمريكي واستمرار ارتفاع عوائد سندات الخزانة، مما قلل من جاذبية الذهب الذي لا يدر عائداً.

الأسباب الرئيسية للانخفاض
العامل المحوري وراء هذا التغير في مسار أسعار الذهب هو الانحسار النسبي للتوترات في منطقة الشرق الأوسط. فبعد فترة من التصعيد أدت إلى زيادة الطلب على أصول الملاذ الآمن، بدأت الأسواق في تسعير احتمالية أقل لاندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً. هذا التحول في معنويات المستثمرين دفعهم إلى التخارج من مراكزهم في الذهب والتوجه نحو أصول ذات مخاطر أعلى سعياً وراء عوائد أفضل، وهو ما أدى إلى تآكل "علاوة المخاطر" التي كانت مضافة إلى سعر الأونصة.
إلى جانب العامل الجيوسياسي، لعبت الديناميكيات في أسواق العملات والسندات دوراً كبيراً في الضغط على الذهب. فقد واصل مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات الرئيسية، تحقيق مكاسب قوية. ونظراً لأن الذهب يتم تسعيره بالدولار، فإن ارتفاع قيمة العملة الأمريكية يجعله أكثر تكلفة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى، مما يضعف الطلب العالمي عليه. وفي الوقت نفسه، ظلت عوائد سندات الخزانة الأمريكية، خاصة لأجل 10 سنوات، عند مستويات مرتفعة، مما يزيد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يقدم أي فائدة أو عائد دوري لحامليه.
سياق السوق وتأثير السياسة النقدية
تتجه أنظار المستثمرين بشكل مكثف نحو السياسة النقدية التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث تؤثر توقعات أسعار الفائدة بشكل مباشر على أداء الذهب. تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة الصادرة من الولايات المتحدة، مثل تقارير التضخم والوظائف القوية، إلى أن الاقتصاد لا يزال يتمتع بالمرونة، وهو ما قد يدفع البنك المركزي إلى إبقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة لفترة أطول مما كان متوقعاً سابقاً لمحاربة التضخم. هذه التوقعات المتشددة تعزز من قوة الدولار وعوائد السندات، مما يشكل رياحاً معاكسة إضافية لأسعار المعدن النفيس.
يواصل المتعاملون في السوق مراقبة المؤشرات الاقتصادية الرئيسية عن كثب لاستشراف الخطوات التالية للفيدرالي، ومن أهم هذه المؤشرات:
- بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) ومؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) لقياس التضخم.
- تقارير سوق العمل الشهرية، وخاصة أعداد الوظائف غير الزراعية ومعدلات البطالة.
- التصريحات والخطابات العامة لمسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
- بيانات النمو الاقتصادي، مثل الناتج المحلي الإجمالي (GDP).
النظرة المستقبلية وتوقعات المحللين
في ظل المعطيات الحالية، يرى العديد من المحللين أن المسار قصير الأجل للذهب قد يظل تحت الضغط طالما بقيت التوترات الجيوسياسية تحت السيطرة واستمرت التوقعات بسياسة نقدية متشددة. من الناحية الفنية، يتم التركيز على مستويات الدعم والمقاومة الرئيسية التي قد تحدد اتجاه الأسعار في الفترة القادمة. ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن الذهب لا يزال يحتفظ بمكانته كأداة تحوط استراتيجية طويلة الأجل ضد عدم اليقين الاقتصادي والتضخم. أي تجدد مفاجئ للمخاطر الجيوسياسية أو صدور بيانات اقتصادية ضعيفة بشكل غير متوقع قد يؤدي إلى تغيير سريع في معنويات السوق ويعيد الزخم الصعودي لأسعار الذهب.





