واشنطن تدعو بغداد إلى تفكيك الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران
جددت الولايات المتحدة الأمريكية دعواتها للحكومة العراقية بضرورة السيطرة على الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران ونزع سلاحها، مؤكدة أن أنشطة هذه الجماعات خارج سلطة الدولة تقوض سيادة العراق وتهدد استقراره، فضلاً عن تعريضها حياة أفراد التحالف الدولي للخطر. وتأتي هذه الدعوات في سياق تصاعد التوترات الإقليمية والهجمات المتكررة التي تستهدف المصالح الأمريكية في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة.

خلفية التوترات وتاريخ الفصائل
تعود جذور هذه القضية إلى ما بعد عام 2003، حيث ظهرت العديد من الفصائل المسلحة. وقد برز دورها بشكل كبير بعد عام 2014 في الحرب ضد تنظيم "داعش"، حيث قاتلت إلى جانب القوات الأمنية العراقية الرسمية. وفي عام 2016، صدر قانون هيئة الحشد الشعبي الذي دمج هذه الفصائل ضمن المنظومة الأمنية للدولة العراقية، لتصبح رسمياً تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة. ومع ذلك، احتفظت بعض الجماعات الأكثر نفوذاً، والتي تربطها علاقات وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، بهياكل قيادة وسيطرة شبه مستقلة، مما خلق ازدواجية في الولاء وشكل تحدياً مستمراً لسلطة الدولة.
الموقف الأمريكي وتطوراته الأخيرة
تعتبر واشنطن أن بعض هذه الفصائل تعمل كوكيل لإيران لزعزعة استقرار المنطقة ومهاجمة القوات الأمريكية وقوات التحالف. وقد كثفت الإدارة الأمريكية من ضغوطها الدبلوماسية والعسكرية مؤخراً، خاصة بعد الزيادة الملحوظة في الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على القواعد العسكرية التي تستضيف قوات أمريكية في العراق وسوريا. وصرح مسؤولون من وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين في مناسبات عدة بأن صبر واشنطن بدأ ينفد، وأنها تحتفظ بحق الدفاع عن قواتها، وهو ما تجلى في تنفيذ ضربات جوية محددة استهدفت مقرات ومخازن أسلحة تابعة لهذه الجماعات. وتشدد الولايات المتحدة على ضرورة أن يكون السلاح حكراً بيد الدولة العراقية لضمان الأمن والاستقرار على المدى الطويل.
التحديات الداخلية وردود الفعل العراقية
تواجه الحكومة العراقية، برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، موقفاً معقداً للغاية. فهي من جهة تسعى للحفاظ على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، تعتمد في استقرارها السياسي على تحالفات برلمانية تضم القوى السياسية الممثلة لهذه الفصائل. وقد أدانت بغداد مراراً الهجمات التي تستهدف البعثات الدبلوماسية والقواعد العسكرية، معتبرة إياها أعمالاً عدائية تنتهك سيادة البلاد وتتم دون موافقة الحكومة. وتؤكد السلطات العراقية أنها تعمل على تطبيق القانون وحصر السلاح بيد الدولة، لكنها تواجه تحديات عملية كبيرة نظراً للنفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي العميق الذي تتمتع به هذه الجماعات داخل مفاصل الدولة والمجتمع.
الأبعاد الإقليمية والتأثيرات المستقبلية
لا يمكن فصل هذه القضية عن الصراع الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط، حيث يُعتبر العراق إحدى الساحات الرئيسية لهذا التنافس. إن استمرار نشاط هذه الفصائل خارج سيطرة الدولة يضع العراق في قلب التجاذبات الإقليمية ويهدد بتحويل أراضيه إلى ساحة لتصفية الحسابات. وتتعدد التأثيرات المحتملة لهذا الوضع، ومن أبرزها:
- تآكل سيادة الدولة: يمثل وجود جماعات مسلحة تعمل بمنطق موازٍ للدولة تحدياً مباشراً لمبدأ احتكار السلطة للقوة.
- تعريض الأمن للخطر: تزيد الهجمات المتبادلة من خطر الانزلاق نحو مواجهة أوسع نطاقاً على الأراضي العراقية.
- تعقيد العلاقات الخارجية: يضع هذا الملف الحكومة العراقية في موقف حرج بين حلفائها الدوليين وشركائها الإقليميين.
ويبقى مستقبل الاستقرار في العراق مرهوناً بقدرة حكومته على تحقيق توازن دقيق بين التعامل مع هذه الفصائل كجزء من الواقع السياسي والأمني، والسعي الحثيث لتعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها الرسمية.





