أزمة الركام في غزة: الأمم المتحدة تحذر من كارثة بيئية وصحية طويلة الأمد
أعربت هيئات تابعة للأمم المتحدة عن قلق بالغ إزاء الأزمة البيئية والصحية المتفاقمة في قطاع غزة، حيث خلّف الصراع الأخير كميات هائلة من الركام والأنقاض التي تقدر بنحو 39 مليون طن. هذا الرقم الهائل، الذي يفوق ما تراكم في أوكرانيا على مدار عامين، لا يمثل تحديًا لوجستيًا لإعادة الإعمار فحسب، بل يشكل قنبلة موقوتة تهدد صحة السكان والبيئة لأجيال قادمة.

حجم الكارثة وتكوين الركام
وفقًا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ودائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) الصادرة في الأشهر الأخيرة، فإن حجم الدمار في غزة غير مسبوق. الركام المتراكم في جميع أنحاء القطاع ليس مجرد حطام خرساني، بل هو خليط معقد وشديد الخطورة يحتوي على مجموعة واسعة من الملوثات والمخاطر، مما يجعل عمليات إزالته والتعامل معه محفوفة بالصعوبات.
- الذخائر غير المنفجرة: يُعتقد أن آلاف القنابل والصواريخ التي لم تنفجر مدفونة تحت الأنقاض، مما يشكل خطرًا مميتًا على المدنيين وعمال الإغاثة وفرق إزالة الركام.
- مادة الأسبستوس: تم استخدام هذه المادة المسرطنة على نطاق واسع في المباني القديمة، ومع تدميرها، تنتشر ألياف الأسبستوس في الهواء، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وسرطان الرئة على المدى الطويل.
- الملوثات الكيميائية والمعادن الثقيلة: تسربت مواد خطرة من المنشآت الصناعية والمستودعات والمنازل المدمرة، بما في ذلك الرصاص والزئبق ومواد كيميائية أخرى، التي يمكن أن تلوث التربة وتصل إلى مصادر المياه.
- النفايات الطبية والبيولوجية: أدى تدمير المستشفيات والمراكز الصحية إلى اختلاط النفايات الطبية الخطرة والمعدات الملوثة بالركام العام، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض.
التداعيات الصحية والبيئية
يحذر الخبراء من أن التأثيرات الصحية لهذه الكارثة البيئية ستكون طويلة الأمد. يتعرض الأطفال بشكل خاص للخطر، حيث يلعبون غالبًا بين الأنقاض الملوثة. على المدى القصير، هناك خطر الإصابات الجسدية من الذخائر غير المنفجرة والمواد الحادة. أما على المدى الطويل، فإن استنشاق الغبار الملوث والتعرض للمواد الكيميائية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة.
بيئيًا، تمثل الأنقاض تهديدًا خطيرًا لموارد غزة المحدودة أصلاً. هناك مخاوف حقيقية من تسرب الملوثات من الركام إلى طبقة المياه الجوفية الساحلية، وهي المصدر الوحيد تقريبًا للمياه العذبة في القطاع، مما قد يجعلها غير صالحة للاستخدام لعقود. كما أن تلوث التربة سيؤثر سلبًا على الأراضي الزراعية القليلة المتبقية.
تحديات إزالة الأنقاض وجهود الأمم المتحدة
وصفت الأمم المتحدة مهمة إزالة الركام في غزة بأنها "ضخمة". تشير التقديرات إلى أن العملية قد تستغرق أكثر من 14 عامًا حتى لو تم استخدام مئات الشاحنات يوميًا. تتجاوز التحديات مجرد نقل الحطام، فهي تتطلب فرقًا متخصصة لتحديد وإزالة الذخائر غير المنفجرة، بالإضافة إلى تقنيات خاصة للتعامل مع المواد الخطرة مثل الأسبستوس.
دعت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) إلى تمويل عاجل لبدء عمليات المسح والتطهير الأولية، مؤكدة أن أي جهود لإعادة الإعمار أو عودة آمنة للسكان لا يمكن أن تبدأ قبل تأمين المناطق وتطهيرها من هذه المخاطر. إن إزالة هذا الركام السام ليست مجرد خطوة نحو البناء المادي، بل هي شرط أساسي لا غنى عنه لحماية حياة السكان وضمان مستقبل صحي وبيئي آمن للقطاع.





