أزمة معبر رفح: إسرائيل تشترط لإعادة فتحه وتتمسك بالسيطرة الأمنية
تتواصل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مع استمرار إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر، وذلك بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه في أوائل شهر مايو 2024. وقد أكدت مصادر متعددة مؤخرًا أن إسرائيل ترفض إعادة فتح المعبر أو تسليمه لأي جهة فلسطينية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، مشترطةً تحقيق أهداف أمنية وسياسية مرتبطة بالمفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى.

خلفية وتطورات الأزمة
بدأت الأزمة الحالية في 7 مايو 2024، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي سيطرته الكاملة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وذلك في إطار توسيع عملياته العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، توقفت حركة المسافرين، خاصة المرضى والجرحى الذين يحتاجون إلى علاج في الخارج، كما توقف تدفق المساعدات الإنسانية الحيوية عبر هذا الشريان الرئيسي، مما فاقم من الكارثة الإنسانية في القطاع الذي يعاني من ظروف شبيهة بالمجاعة.
كان المعبر قبل سيطرة إسرائيل عليه يُدار من الجانب الفلسطيني بواسطة هيئة المعابر والحدود التابعة لحكومة حماس في غزة، وبالتنسيق الكامل مع السلطات المصرية. وتعتبر سيطرة إسرائيل عليه تغييرًا جوهريًا في الوضع القائم منذ انسحابها من غزة عام 2005.
الموقف الإسرائيلي وشروطه
تتمسك إسرائيل بموقفها الرافض لتسليم المعبر لأي جهة تعتبرها معادية أو غير قادرة على ضمان أمنها. وتتلخص مبرراتها وشروطها في عدة نقاط رئيسية:
- الاعتبارات الأمنية: تؤكد إسرائيل أن سيطرتها على المعبر ضرورية لمنع حركة حماس من استخدامه لتهريب الأسلحة أو الأفراد، ومنعها من إعادة بناء قدراتها العسكرية.
- ورقة ضغط في المفاوضات: تستخدم إسرائيل المعبر كورقة ضغط في المفاوضات غير المباشرة مع حماس، حيث تربط إعادة تشغيله بالتقدم في ملف إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لديها.
- رفض عودة حماس: ترفض إسرائيل بشكل قاطع عودة أي شكل من أشكال إدارة حماس للمعبر.
- البحث عن بديل فلسطيني: اقترحت إسرائيل تسليم إدارة المعبر لجهة فلسطينية منزوعة السلاح لا تنتمي لحركة حماس، وهو اقتراح لم يجد قبولاً حتى الآن من أي طرف فلسطيني.
موقف مصر والسلطة الفلسطينية
أدى الموقف الإسرائيلي إلى طريق مسدود، حيث ترفض كل من مصر والسلطة الفلسطينية التعاون مع الوضع الجديد الذي فرضته إسرائيل.
من جانبها، أعلنت مصر رفضها القاطع التنسيق مع الجانب الإسرائيلي بشأن المعبر، معتبرة أن السيطرة الإسرائيلية عليه تمثل انتهاكًا للاتفاقيات الموقعة وتصعيدًا غير مقبول. وتصر القاهرة على ضرورة انسحاب إسرائيل وتسليم المعبر إلى جهة فلسطينية متفق عليها كشرط أساسي لعودة العمل به من الجانب المصري.
أما السلطة الفلسطينية، فقد أعلنت على لسان مسؤوليها أنها لن تقبل باستلام إدارة المعبر "تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي". وتؤكد السلطة أن أي ترتيبات مستقبلية للمعابر يجب أن تأتي في سياق حل سياسي شامل يضمن انسحابًا إسرائيليًا كاملاً.
التداعيات الإنسانية والضغوط الدولية
أدى إغلاق المعبر إلى تفاقم الوضع الإنساني الكارثي في غزة. وحذرت منظمات دولية، على رأسها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، من أن إغلاق المعبر يمنع دخول المساعدات الطبية والغذائية والوقود، ويعيق إجلاء آلاف المرضى والجرحى الذين حياتهم على المحك. وأصبحت المساعدات التي تدخل عبر المعابر الأخرى، مثل كرم أبو سالم، غير كافية على الإطلاق لتلبية الاحتياجات الهائلة للسكان.
وعلى الصعيد الدولي، تتزايد الضغوط على إسرائيل لفتح المعبر. وقد أمرت محكمة العدل الدولية في لاهاي إسرائيل بوقف هجومها على رفح وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. ويرى العديد من المراقبين أن استمرار إغلاق المعبر يعد تحديًا مباشرًا لهذه القرارات الدولية الملزمة. وتستمر الجهود الدبلوماسية، خاصة من قبل الولايات المتحدة، لإيجاد حل وسط يسمح بإعادة فتح المعبر، إلا أن هذه الجهود لم تسفر عن أي تقدم ملموس حتى الآن في ظل تمسك كل طرف بموقفه.





