إدارة ترامب وحماس: سياسة متناقضة بين التهديد بنزع السلاح والتفاوض السري
اتسمت سياسة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه حركة حماس في قطاع غزة بازدواجية لافتة، حيث تراوحت بين التهديدات العلنية الصارمة التي تدعو إلى نزع سلاح الحركة وتصفها بـ "الإرهابية"، وبين الانخراط في مفاوضات غير مباشرة وهادئة سعت إلى تثبيت التهدئة ومنع انهيار الوضع الإنساني والأمني في القطاع. عكست هذه السياسة المتناقضة واقعاً براغماتياً فرض نفسه على الإدارة الأمريكية، التي كانت تسعى لتحقيق الاستقرار الإقليمي كجزء من خطتها الأوسع للسلام المعروفة بـ "صفقة القرن".

الخلفية: خطاب التصعيد العلني
على الصعيد الرسمي، تبنت إدارة ترامب خطاباً معادياً لحماس، متماشياً مع موقفها الداعم بقوة لإسرائيل. وقد تجلى ذلك في تصريحات متعددة لمسؤولين أمريكيين، بمن فيهم ترامب نفسه، الذين حمّلوا الحركة المسؤولية الكاملة عن العنف وتدهور الأوضاع المعيشية في غزة. كما شددت الإدارة على ضرورة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية كشرط أساسي لأي تسوية سياسية مستقبلية، ورفضت أي تواصل مباشر مع الحركة باعتبارها منظمة إرهابية.
وصل هذا الخطاب إلى ذروته خلال أحداث مثل مسيرات العودة الكبرى على حدود غزة في عامي 2018 و2019، حيث استخدمت الإدارة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرارات تدين استخدام إسرائيل للقوة، وألقت باللوم بشكل كامل على حماس في التحريض على العنف.
التطورات: قنوات التفاوض غير المباشرة
خلف الكواليس، كانت الصورة مختلفة تماماً. أدركت الإدارة الأمريكية أن تجنب حرب شاملة في غزة يتطلب نوعاً من التواصل مع حماس، باعتبارها السلطة الحاكمة الفعلية في القطاع. ولتحقيق ذلك، اعتمدت على قنوات تفاوض غير مباشرة لعب فيها وسطاء دوراً محورياً، وأبرزهم:
- مصر: التي قادت جهود الوساطة الأمنية والعسكرية لترتيب تفاهمات وقف إطلاق النار.
- قطر: التي تولت مهمة الدعم المالي للقطاع عبر منحة شهرية كانت تُسلَّم بالتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة.
- الأمم المتحدة: من خلال مبعوثها الخاص للشرق الأوسط، الذي عمل على تسهيل الحوارات وتنسيق المساعدات الإنسانية.
كانت هذه المفاوضات تهدف بشكل أساسي إلى تحقيق "الهدوء مقابل تخفيف الحصار". وبموجب التفاهمات التي تم التوصل إليها في فترات متفرقة، التزمت حماس بوقف إطلاق الصواريخ والحد من عنف الاحتجاجات على الحدود، مقابل سماح إسرائيل بدخول المساعدات والوقود والأموال القطرية، وتوسيع مساحة الصيد للصيادين في غزة.
التأثير والنتائج: تمكين النفوذ بدلاً من العزل
أدت هذه السياسة المزدوجة إلى نتائج متناقضة. ففي حين نجحت في منع اندلاع مواجهات عسكرية واسعة النطاق في عدة مناسبات وحافظت على استقرار نسبي، يرى العديد من المحللين أنها ساهمت بشكل غير مباشر في تمكين نفوذ حماس. فمن خلال التفاوض معها، ولو بشكل غير مباشر، اعترفت الإدارة الأمريكية بدورها كطرف لا يمكن تجاوزه في غزة. كما أن سماحها بدخول الأموال القطرية منح الحركة القدرة على دفع رواتب موظفيها وتسيير شؤون القطاع، مما عزز من قبضتها على السلطة.
وبذلك، فإن ما بدا وكأنه سياسة تهدف إلى عزل حماس وتجريدها من سلاحها، انتهى في الممارسة العملية إلى ترسيخ دورها كلاعب أساسي في المعادلة الفلسطينية، وهو ما يمثل جوهر التناقض الذي حكم تعامل إدارة ترامب مع أحد أكثر الملفات تعقيداً في الشرق الأوسط خلال فترة ولايته.




