إيران تجدد تأكيدها على عدم السعي لامتلاك أسلحة نووية وتوضح الأسباب
جددت إيران، خلال الأيام الأخيرة، تأكيدها الرسمي على أنها لا تسعى ولن تسعى "أبدًا" لتطوير أو امتلاك أسلحة نووية، مشيرة إلى أن برنامجها النووي يخدم أغراضًا سلمية بحتة. وتأتي هذه التصريحات في وقت تستمر فيه حالة الجمود في المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وتتزايد فيه المخاوف الدولية بشأن تسارع أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية.

خلفية البرنامج النووي والاتفاق الدولي
يمثل البرنامج النووي الإيراني أحد أكثر الملفات تعقيدًا في السياسة الدولية على مدى العقدين الماضيين. فبينما تصر طهران على حقها في تطوير تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية مثل توليد الكهرباء والتطبيقات الطبية، تشتبه القوى الغربية وإسرائيل في وجود طموحات عسكرية سرية. وقد أدى هذا الخلاف إلى فرض عقوبات دولية مشددة على إيران لسنوات.
في عام 2015، تم التوصل إلى اتفاق تاريخي يُعرف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) بين إيران ومجموعة دول (5+1). وبموجب هذا الاتفاق، وافقت إيران على فرض قيود صارمة على برنامجها النووي، بما في ذلك خفض مخزونها من اليورانيوم المخصب وقبول عمليات تفتيش مكثفة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. لكن في عام 2018، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق بشكل أحادي وإعادة فرض العقوبات، مما دفع إيران إلى التراجع تدريجيًا عن التزاماتها.
الأسباب المعلنة لرفض القنبلة النووية
تستند إيران في موقفها الرسمي المعلن الرافض للأسلحة النووية إلى مجموعة من المبررات الدينية والاستراتيجية والسياسية، والتي يتم تكرارها باستمرار من قبل كبار المسؤولين. ويمكن تلخيص هذه الأسباب في النقاط التالية:
- الفتوى الدينية: المحور الأساسي في الحجة الإيرانية هو فتوى أصدرها المرشد الأعلى، علي خامنئي، تعتبر إنتاج واستخدام وتخزين أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية، "حرامًا" ومخالفًا لتعاليم الإسلام. وتُقدم هذه الفتوى على أنها التزام ديني وأخلاقي ملزم للدولة.
- العقيدة الاستراتيجية والدفاعية: يرى القادة الإيرانيون أن امتلاك سلاح نووي لن يعزز أمن البلاد، بل قد يجعلها هدفًا رئيسيًا لهجوم استباقي. وتؤكد العقيدة الدفاعية الإيرانية أن الردع الحقيقي يتحقق من خلال تطوير القدرات العسكرية التقليدية، وعلى رأسها برنامج الصواريخ الباليستية، وشبكة حلفائها الإقليميين.
- التداعيات السياسية والاقتصادية: تدرك طهران أن أي محاولة موثقة لصنع قنبلة نووية ستؤدي إلى عزلة دولية كاملة وتشديد غير مسبوق للعقوبات، مما قد يهدد استقرار النظام الاقتصادي والسياسي في البلاد. لذا، يُنظر إلى تجنب هذا المسار على أنه ضرورة للحفاظ على بقاء الدولة.
التطورات الأخيرة والشكوك الدولية
على الرغم من التأكيدات الإيرانية المتكررة، لا يزال المجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية، يشكك في نوايا طهران الحقيقية. وتتغذى هذه الشكوك من خلال التقدم الكبير الذي أحرزه برنامجها النووي في السنوات الأخيرة. فقد رفعت إيران مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60%، وهي نسبة قريبة جدًا من درجة النقاء المطلوبة للاستخدام العسكري (حوالي 90%)، وبعيدة كل البعد عن متطلبات تشغيل محطات الطاقة النووية.
كما أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) تقارير عدة أعربت فيها عن قلقها بشأن عدم تعاون إيران الكامل مع المفتشين الدوليين وتقييد وصولهم إلى بعض المواقع، فضلاً عن العثور على آثار يورانيوم مخصب في مواقع لم تعلن عنها سابقًا. هذه الإجراءات تزيد من فجوة الثقة وتجعل من الصعب على القوى الدولية قبول الرواية الإيرانية الرسمية.
أهمية التصريحات في السياق الحالي
تكتسب التصريحات الإيرانية الأخيرة أهميتها من كونها رسالة دبلوماسية متعددة الأوجه. فهي تهدف إلى طمأنة المجتمع الدولي بأن طهران لا تشكل تهديدًا نوويًا وجوديًا، في محاولة لتخفيف الضغط الدولي وتجنب أي تصعيد عسكري محتمل. وفي الوقت نفسه، تستخدم إيران برنامجها النووي المتقدم كورقة ضغط قوية في أي مفاوضات مستقبلية، حيث تسعى لانتزاع أكبر قدر من المكاسب، وعلى رأسها رفع كامل للعقوبات، مقابل عودتها إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي. ويبقى الوضع معلقًا بين تأكيدات إيران السلمية وأفعالها التي تثير القلق، مما يجعل مستقبل الملف النووي محاطًا بالغموض.




