احتفالات حاشدة في ختام مولد السيد البدوي بمدينة طنطا
شهدت مدينة طنطا بمحافظة الغربية، في الساعات المتأخرة من ليل الخميس الذي وافق 26 أكتوبر 2023، ذروة الاحتفالات بمولد القطب الصوفي السيد أحمد البدوي، حيث توافد مئات الآلاف من الزوار والمحبين من مختلف أنحاء مصر والعالم الإسلامي للمشاركة في "الليلة الختامية" أو "الليلة الكبيرة". وقد تحولت شوارع المدينة المحيطة بمسجده الشهير إلى ساحة مفتوحة للذكر والمدائح النبوية، في مشهد يعكس الأهمية الدينية والثقافية العميقة لهذا الحدث السنوي.

خلفية تاريخية وثقافية
يُعد مولد السيد البدوي واحدًا من أكبر الاحتفالات الدينية الشعبية في مصر، حيث يُقام سنويًا لإحياء ذكرى ميلاد الشيخ أحمد بن علي البدوي، وهو أحد أبرز أقطاب الصوفية في القرن الثالث عشر الميلادي. استقر البدوي في مدينة طنطا حتى وفاته، وأصبح ضريحه بمسجده مركزًا روحيًا يقصده الملايين من أتباع الطرق الصوفية ومريديه على مدار العام، وتصل الزيارات إلى ذروتها خلال أسبوع المولد.
ترتبط هذه المناسبة ارتباطًا وثيقًا بالنسيج الثقافي المصري، فهي ليست مجرد حدث ديني، بل هي كرنفال شعبي يمتزج فيه الطابع الروحي بأجواء احتفالية تشمل حلقات الذكر، ومواكب الطرق الصوفية التي تجوب الشوارع بأعلامها وراياتها المميزة، بالإضافة إلى الأسواق المؤقتة التي تبيع الحلوى التقليدية مثل "حمص المولد" ولعب الأطفال والهدايا التذكارية.
تفاصيل الليلة الختامية
تُعتبر "الليلة الكبيرة" هي المحطة الأبرز في أسبوع الاحتفالات الممتد. ومع غروب شمس اليوم الختامي، بدأت الساحات المحيطة بالمسجد الأحمدي تمتلئ بالحشود التي جاءت للاستماع إلى كبار المنشدين والمبتهلين. وقد أحيا الليلة الختامية لهذا العام، كعادته، المنشد الكبير الشيخ ياسين التهامي، الذي قدم وصلات من الإنشاد الديني والمدائح النبوية تفاعل معها الجمهور بحماس كبير حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.
وشهدت الاحتفالات تنظيمًا أمنيًا مكثفًا من قبل مديرية أمن الغربية لتأمين تدفق الحشود وتسهيل حركة المرور في محيط منطقة المسجد. كما قامت المحافظة بتوفير خدمات لوجستية وطبية للزوار، حيث انتشرت نقاط الإسعاف لتقديم الرعاية الطبية للحالات الطارئة. وقد شارك في الاحتفالات الرسمية عدد من القيادات التنفيذية والشعبية بالمحافظة، مؤكدين على أهمية الحدث كموروث ثقافي وشعبي.
الأهمية الدينية والاقتصادية
يحمل المولد أهمية كبرى على مستويات متعددة، فهو يمثل فرصة لتلاقي أتباع أكثر من 70 طريقة صوفية من مختلف أنحاء البلاد، مما يعزز الروابط الاجتماعية والروحية بينهم. كما يُنظر إليه كمنصة للحفاظ على التراث الصوفي الشفهي من خلال قصائد المديح والابتهالات التي يتم تناقلها عبر الأجيال.
على الصعيد الاقتصادي، يُشكل المولد محركًا أساسيًا للنشاط التجاري في مدينة طنطا. إذ ينتعش خلال هذه الفترة قطاع الخدمات بأكمله، بما في ذلك:
- الفنادق والمساكن المؤقتة التي تستقبل الزوار.
- المطاعم والمقاهي التي تعمل على مدار الساعة.
- التجار والباعة الجائلون الذين يعرضون منتجات متنوعة ترتبط بالمناسبة.
- صناعة الحلويات التقليدية، والتي تشهد إقبالًا كبيرًا من المحتفلين.
تطورات الاحتفال الأخير
تميز احتفال هذا العام بعودة الزخم الكامل بعد القيود التي فرضتها جائحة كورونا في السنوات السابقة، حيث قُدر عدد المشاركين في الليلة الختامية وحدها بمئات الآلاف. وقد بدأت فعاليات المولد قبل أسبوع من ليلته الكبيرة، حيث تضمنت ندوات دينية وثقافية نظمتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع مشيخة الطرق الصوفية. واختتمت الاحتفالات بـ "دورة الخليفة" وهي موكب رسمي يطوف الشوارع الرئيسية، إيذانًا بانتهاء المولد رسميًا، ليبدأ الزوار بعدها في مغادرة المدينة تدريجيًا بعد أن قضوا أسبوعًا من الأجواء الروحانية والاحتفالية.





