استراتيجية حزب الله للتسلح: كيف يطور قدراته بالأسلحة الدقيقة والمسيرات؟
يشهد حزب الله تحولاً استراتيجياً ملحوظاً في بنيته العسكرية، منتقلاً من الاعتماد على الكم الهائل من الصواريخ غير الموجهة إلى بناء ترسانة متطورة تعتمد على الأسلحة الدقيقة والطائرات المسيرة. هذا التطور، الذي تسارع في السنوات الأخيرة، يغير من قواعد الاشتباك المحتملة مع إسرائيل ويزيد من حدة التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، خاصة في ظل المواجهات المستمرة منذ أكتوبر 2023.

خلفية التحول العسكري
بعد حرب عام 2006 مع إسرائيل، بنى حزب الله استراتيجيته للردع على امتلاك مخزون ضخم من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، قُدر بعشرات الآلاف. كانت الفكرة الأساسية هي القدرة على إغراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية وإحداث أضرار واسعة في الجبهة الداخلية. لكن المشاركة في الحرب السورية قدمت للحزب خبرات قتالية نوعية، وأتاحت له الوصول إلى تقنيات عسكرية أكثر تقدماً، لا سيما من حليفه الرئيسي، إيران.
مكونات الترسانة الجديدة
يرتكز التطور الحالي في قدرات حزب الله العسكرية على ثلاثة محاور رئيسية، تمثل نقلة نوعية من الكم إلى الكيف:
- الصواريخ والذخائر الدقيقة: يعد هذا هو الجانب الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لإسرائيل. يعمل الحزب على تحويل الصواريخ التقليدية غير الموجهة، مثل صواريخ زلزال وفاتح-110 إيرانية الصنع، إلى أسلحة ذكية عبر تزويدها بأنظمة توجيه دقيقة (GPS). هذه القدرة تمكنه من استهداف مواقع استراتيجية وحيوية بدقة عالية، مثل المطارات ومحطات الطاقة والقواعد العسكرية، بدلاً من إطلاق الصواريخ بشكل عشوائي.
- الطائرات المسيرة (الدرونز): طور حزب الله أسطولاً متنوعاً من الطائرات بدون طيار، التي تؤدي مهام متعددة. تشمل هذه الترسانة طائرات استطلاع لجمع المعلومات الاستخباراتية، بالإضافة إلى طائرات هجومية انتحارية قادرة على حمل متفجرات وتوجيهها نحو أهداف محددة. وتعتمد هذه الطائرات بشكل كبير على التكنولوجيا الإيرانية، وهي تشبه نماذج مثل سلسلة طائرات شاهد وأبابيل.
- أنظمة الدفاع الجوي والبحري: تشير تقارير استخباراتية إلى سعي الحزب المستمر للحصول على أنظمة دفاع جوي متطورة لتحدي التفوق الجوي الإسرائيلي فوق لبنان وسوريا. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك الحزب صواريخ مضادة للسفن، مثل صاروخ C-802، الذي استخدمه بنجاح في حرب 2006، ويسعى لتطوير هذه القدرة لتهديد المنشآت البحرية الإسرائيلية.
مصادر التسلح والتصنيع المحلي
تظل إيران المصدر الأساسي لتمويل وتسليح حزب الله، حيث توفر الدعم المالي والأسلحة والخبرات التقنية اللازمة لتطوير هذه المنظومات. وتمر خطوط الإمداد غالباً عبر العراق وسوريا، وهي طرق تحاول إسرائيل قطعها باستمرار عبر شن غارات جوية ضمن ما يُعرف بـ"الحملة بين الحروب". رداً على هذه الغارات، اتجه حزب الله بشكل متزايد نحو التصنيع المحلي وتجميع المكونات داخل لبنان. وبدلاً من تهريب صواريخ كاملة ودقيقة، يتم تهريب مكونات وأدوات تقنية تسمح للحزب بتجميع الطائرات المسيرة وتعديل الصواريخ الموجودة لديه محلياً، مما يجعل عملية الاستهداف الإسرائيلية أكثر صعوبة.
الأهمية الاستراتيجية والتداعيات
إن امتلاك حزب الله لترسانة من الأسلحة الدقيقة يغير بشكل جذري ميزان القوى والردع. لم يعد التهديد مقتصراً على إلحاق أضرار مادية ومعنوية بالمجتمع الإسرائيلي، بل أصبح يشمل القدرة على شل البنية التحتية الحيوية والعسكرية للدولة. هذا التحول النوعي يرفع من تكلفة أي مواجهة عسكرية مستقبلية ويجعل قرار الحرب أكثر تعقيداً لكلا الطرفين. وقد برزت هذه القدرات بشكل واضح في المواجهات الحدودية الأخيرة، حيث استخدم الحزب الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة بفعالية ضد مواقع وأهداف عسكرية إسرائيلية، مما يؤكد أن أي تصعيد واسع النطاق سيكون مختلفاً وأكثر تدميراً من أي صراع سابق.




