جنوب لبنان: تصاعد التوترات يختبر السيادة ويُنذر بتوسع الصراع
تشهد الحدود بين لبنان وإسرائيل تصعيداً عسكرياً هو الأعنف منذ حرب عام 2006، حيث تستمر المواجهات اليومية بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله منذ 8 أكتوبر 2023. هذا التوتر، الذي اندلع غداة بدء الحرب في قطاع غزة، يضع استقرار لبنان وسيادته على المحك، وسط مخاوف إقليمية ودولية من انزلاق الوضع إلى حرب شاملة قد تعيد تشكيل المنطقة.

خلفية التوترات
انفتحت جبهة جنوب لبنان بشكل شبه فوري بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، حيث أعلن حزب الله بدء عملياته العسكرية دعماً للفصائل الفلسطينية في غزة. ومنذ ذلك الحين، تحولت المنطقة الحدودية إلى ساحة قتال يومية، مما أدى فعلياً إلى تعليق العمل بقرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي أُقر لإنهاء حرب عام 2006 ودعا إلى منطقة منزوعة السلاح بين الخط الأزرق ونهر الليطاني. ورغم أن المواجهات بقيت ضمن ما يُعرف بـ "قواعد الاشتباك" لفترة، إلا أن وتيرتها وعمقها اتسعا بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، مما يزيد من خطر الخطأ في التقدير لدى أي من الطرفين.
تطورات ميدانية وسياسية
تتركز العمليات العسكرية على القصف المتبادل عبر الحدود. يستخدم الجيش الإسرائيلي الغارات الجوية والمدفعية والطائرات المسيرة لاستهداف ما يصفها ببنى تحتية ومواقع عسكرية وقادة ميدانيين لحزب الله، وقد وسّع نطاق عملياته ليشمل مناطق أبعد عن الحدود، وصولاً إلى مناطق في البقاع وصور. في المقابل، يرد حزب الله بإطلاق صواريخ موجهة، وقذائف، وطائرات مسيرة انتحارية تستهدف مواقع عسكرية ومستوطنات في شمال إسرائيل.
على الصعيد السياسي، تتصاعد حدة الخطاب من الجانب الإسرائيلي، حيث يؤكد المسؤولون العسكريون والسياسيون مراراً أنهم مستعدون لشن عملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في إبعاد قوات حزب الله عن الحدود. الهدف المعلن لإسرائيل هو تأمين عودة عشرات الآلاف من سكانها الذين تم إجلاؤهم من المستوطنات الشمالية. من جهته، يربط حزب الله وقف عملياته بوقف شامل لإطلاق النار في قطاع غزة، رافضاً أي حلول جزئية تتعلق بالجنوب اللبناني فقط.
- جهود دبلوماسية: تقود الولايات المتحدة وفرنسا جهوداً دبلوماسية مكثفة لاحتواء الصراع، مقترحة حلولاً تعتمد على التطبيق الكامل للقرار 1701، بما في ذلك نشر الجيش اللبناني بكثافة في الجنوب.
- الموقف اللبناني الرسمي: تجد الحكومة اللبنانية نفسها في موقف حرج، حيث تسعى لتجنب الحرب وتؤكد التزامها بالقرارات الدولية، لكنها لا تملك القدرة على فرض سيطرتها على قرار الحرب والسلم الذي يمسك به حزب الله.
الأبعاد الإنسانية والاقتصادية
خلّف التصعيد المستمر تداعيات إنسانية واقتصادية وخيمة على كلا الجانبين، وإن كانت أكثر حدة في لبنان نظراً لهشاشة وضعه الاقتصادي. فقد أدت المواجهات إلى نزوح أكثر من 90,000 شخص من القرى الحدودية في جنوب لبنان، بالإضافة إلى مقتل مئات الأشخاص، بينهم مدنيون ومقاتلون. كما تسبب القصف، بما في ذلك استخدام قذائف الفسفور الأبيض وفقاً لاتهامات لبنانية، في أضرار جسيمة للمنازل والبنى التحتية والأراضي الزراعية، وخاصة حقول الزيتون التي يعتمد عليها اقتصاد المنطقة.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
تكمن خطورة الوضع الحالي في أنه يضع لبنان والمنطقة بأسرها أمام احتمالين: إما التوصل إلى تسوية دبلوماسية مرتبطة بمسار الحرب في غزة، أو الانجرار إلى حرب شاملة ستكون مدمرة أكثر بكثير من صراع عام 2006. إن استمرار هذا الصراع لا يهدد استقرار لبنان فحسب، بل يختبر بشكل مباشر مفهوم سيادة الدولة اللبنانية وقدرتها على التحكم بأراضيها وقراراتها الاستراتيجية. يبقى المستقبل القريب مرهوناً بمسارات التفاوض الدولية وتطورات الميدان، حيث يقف جنوب لبنان على حافة الهاوية بين احتواء الصراع وانفجاره.




