الأمم المتحدة تدرس خيارات نشر قوة دولية لمرحلة ما بعد الحرب في غزة
تتصاعد وتيرة النقاشات الدبلوماسية داخل أروقة الأمم المتحدة، وتحديداً في مجلس الأمن الدولي، حول مقترحات متعددة تهدف إلى تشكيل ونشر قوة دولية متعددة الجنسيات في قطاع غزة. وتأتي هذه المباحثات، التي شهدت زخماً متجدداً خلال الأسابيع الأخيرة، في سياق الجهود الدولية الرامية لوضع تصور لمستقبل القطاع في مرحلة ما بعد انتهاء العمليات العسكرية الحالية، ومعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

الخلفية والسياق
انبثقت فكرة نشر قوة دولية من الحاجة الماسة لإيجاد آلية تضمن الاستقرار وتمنع تجدد الصراع في غزة بعد توقف القتال. يواجه المجتمع الدولي معضلة الفراغ الأمني والإداري المحتمل في القطاع، ويسعى من خلال هذه المقترحات إلى توفير بيئة آمنة تسمح بتقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعال، والبدء في جهود إعادة الإعمار، وتمهيد الطريق لحل سياسي مستدام. وتستند هذه الجهود على تجارب سابقة لقوات حفظ السلام في مناطق نزاع أخرى، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية وتعقيدات الوضع الفلسطيني الإسرائيلي.
تفاصيل المقترحات المتداولة
على الرغم من عدم وجود مسودة رسمية نهائية متفق عليها، تشير المداولات إلى أن القوة المقترحة قد تُكلف بمهام متعددة ومعقدة. تتضمن هذه المهام بشكل أساسي:
- تأمين الممرات الإنسانية وضمان وصول المساعدات دون عوائق إلى جميع أنحاء القطاع.
- المساهمة في استعادة الأمن والنظام العام وحماية المدنيين والبنية التحتية الحيوية.
- مراقبة أي اتفاق لوقف إطلاق النار والإشراف على التزام الأطراف به.
- دعم جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المحتملة، ومنع إعادة تسلح الفصائل المسلحة.
- توفير غطاء أمني مؤقت يسمح بعودة السلطة الفلسطينية أو تشكيل إدارة مدنية انتقالية لإدارة شؤون القطاع.
وتقود الولايات المتحدة جانباً مهماً من هذه النقاشات، حيث يُعتقد أنها تفضل قوة لا تكون بالضرورة تحت قيادة الأمم المتحدة بشكل مباشر، بل قوة متعددة الجنسيات بمشاركة دول عربية، وهو ما يطرح تساؤلات حول هيكل القيادة والتمويل والغطاء القانوني لمثل هذه المهمة.
مواقف الأطراف الرئيسية
تباينت ردود الفعل والمواقف تجاه هذه المقترحات بشكل كبير، مما يعكس حجم الانقسامات الدولية والإقليمية. فقد أبدت إسرائيل تحفظاً شديداً، حيث يصر المسؤولون الإسرائيليون على ضرورة احتفاظ جيشهم بحرية العمل الأمني الكاملة في غزة لمنع أي تهديدات مستقبلية، معربين عن قلقهم من أن وجود قوة دولية قد يقيد هذه الحرية. من جانبها، تربط السلطة الفلسطينية موافقتها على أي ترتيبات أمنية بضرورة أن تكون جزءاً من مسار سياسي شامل يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. أما الدول العربية، وخاصة مصر والأردن، فتتعامل مع المقترح بحذر، مشترطة أن يكون نشر أي قوات ضمن إطار حل الدولتين ورافضة أن تكون بديلاً عن الحل السياسي.
التحديات والعقبات
تواجه فكرة نشر قوة دولية تحديات جسيمة قد تعرقل تحقيقها. أولاً، يتطلب أي قرار من مجلس الأمن موافقة جميع الدول دائمة العضوية، وهو أمر غير مضمون في ظل الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. ثانياً، يعد تحديد ولاية القوة وقواعد اشتباكها أمراً بالغ الصعوبة، خاصة في بيئة أمنية معقدة وغير مستقرة. وأخيراً، يبقى السؤال الأهم حول موافقة الأطراف على الأرض على وجود مثل هذه القوة، وهو شرط أساسي لنجاح أي مهمة لحفظ السلام.
وبينما تستمر المباحثات، يظل مستقبل غزة معلقاً بنتائج هذه الجهود الدبلوماسية المكثفة، التي ستحدد شكل المرحلة المقبلة في أحد أكثر الملفات حساسية في العالم.



