السودان: قوات الدعم السريع تهاجم الأبيض وسط نزوح جماعي متواصل من الفاشر
شهدت السودان في الأيام الأخيرة تصعيداً مقلقاً في النزاع المسلح الدائر، حيث أفادت تقارير حديثة بشن قوات الدعم السريع هجمات مكثفة على مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان. تأتي هذه التطورات في الوقت الذي تستمر فيه الأزمة الإنسانية بالتفاقم في دارفور، مع نزوح جماعي متواصل للمدنيين من مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، نتيجة للاشتباكات العنيفة التي لا تزال دائرة في محيطها. تعكس هذه الأحداث استمرار الحرب المدمرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتي دخلت شهرها الثاني عشر، مسببة دماراً واسعاً ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.

الصراع السوداني الشامل: جذوره وتداعياته
بدأ الصراع الحالي في السودان في منتصف أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). تعود جذور هذا النزاع إلى خلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وتصارع على السلطة والنفوذ بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير. سرعان ما تحولت الخلافات إلى حرب شاملة اجتاحت العاصمة الخرطوم ومناطق واسعة في دارفور وكردفان. أدى هذا الصراع إلى مقتل الآلاف، وتشريد الملايين داخلياً وخارجياً، وانهيار البنى التحتية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بشكل كارثي.
التصعيد في الأبيض: معركة السيطرة على طرق الإمداد
تُعد مدينة الأبيض، الواقعة في ولاية شمال كردفان، نقطة استراتيجية حيوية بفضل موقعها على مفترق طرق رئيسية تربط العاصمة الخرطوم بمناطق دارفور وغرب السودان. هذا الموقع جعلها هدفاً متكرراً لقوات الدعم السريع التي تسعى لتعزيز سيطرتها على طرق الإمداد والتحكم في حركة التجارة والخدمات اللوجستية. في الآونة الأخيرة، أفادت مصادر محلية ووكالات أنباء بقيام قوات الدعم السريع بتكثيف هجماتها على المدينة، مستهدفة المواقع العسكرية والقواعد التابعة للقوات المسلحة السودانية. وقد تسببت هذه الهجمات في حالة من الذعر بين السكان، وأسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين وتدمير للممتلكات.
تتعرض الأبيض باستمرار لهجمات بقذائف المدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة، مما يعيق الحياة اليومية ويجبر السكان على البقاء في منازلهم أو البحث عن ملاذات آمنة. إن محاولات الدعم السريع للسيطرة على الأبيض تعكس استراتيجيتها في قطع الإمدادات عن الجيش السوداني في الغرب، وتأمين ممرات لقواتها، مما يزيد من تعقيد المشهد العسكري والإنساني في المنطقة.
الأزمة الإنسانية والنزوح من الفاشر: كارثة وشيكة
تتصدر الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عناوين الأخبار الإنسانية في ظل تزايد وتيرة النزوح الجماعي منها. تُعتبر الفاشر ذات أهمية قصوى لعدة أسباب: فهي المركز الإداري الوحيد لولايات دارفور الذي لم يسقط بالكامل في قبضة قوات الدعم السريع، كما أنها تُشكل مركزاً إنسانياً رئيسياً للملايين من النازحين واللاجئين في المنطقة. تُحاصر قوات الدعم السريع المدينة من عدة جهات، وتُشن هجمات متكررة على أحيائها ومخيمات النازحين في محيطها.
أدت الاشتباكات العنيفة والقصف المستمر إلى فرار أعداد هائلة من السكان. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، نزح عشرات الآلاف من الأشخاص من الفاشر ومحيطها خلال الأسابيع القليلة الماضية، بحثاً عن الأمان في مناطق أقل توتراً. يواجه هؤلاء النازحون ظروفاً قاسية للغاية، حيث تندر المواد الغذائية والمياه النالحة للشرب، وتفتقر المخيمات المؤقتة لأبسط الخدمات الصحية والصرف الصحي. تُحذر المنظمات الدولية من أن الوضع في الفاشر قد يتحول إلى كارثة إنسانية أكبر، خاصة مع تعذر وصول المساعدات الكافية ووجود تقارير عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
الأبعاد الإقليمية والدولية وتوقعات المستقبل
يستمر المجتمع الدولي في التعبير عن قلقه العميق إزاء الوضع في السودان، مع دعوات متكررة لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. ورغم الجهود الدبلوماسية المتعددة، بما في ذلك محادثات جدة، لم تنجح الأطراف المتحاربة في التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار. إن استمرار الهجمات على مدن رئيسية مثل الأبيض وتفاقم الأزمة الإنسانية في الفاشر يؤكدان أن الصراع لا يزال بعيداً عن الحل.
يشكل هذا التصعيد تهديداً ليس فقط للسودان، بل للمنطقة بأسرها، نظراً لتدفق اللاجئين عبر الحدود والتأثير على الاستقرار الإقليمي. يبقى المدنيون هم الضحايا الرئيسيين لهذا النزاع، حيث تستمر حياتهم في التدهور وسط نقص الغذاء والدواء وانعدام الأمن. إن الحاجة الملحة لوقف الأعمال العدائية وحماية المدنيين وفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية تظل أولوية قصوى يجب على الأطراف المحلية والدولية العمل على تحقيقها بشكل عاجل.




