الصين تطلق حوافز طاقوية لدعم شركات التكنولوجيا وتعزيز رقائق الذكاء الاصطناعي المحلية
في خطوة استراتيجية تهدف إلى تسريع وتيرة الاكتفاء الذاتي في قطاع التكنولوجيا الفائقة، أعلنت الصين مطلع ديسمبر 2023 عن مبادرة جديدة لتقديم حوافز طاقوية لشركات التكنولوجيا المحلية. تهدف هذه الخطوة، التي تتضمن خفضًا يصل إلى 50% في تكاليف الطاقة لمراكز البيانات الكبرى، إلى تعزيز استخدام وتطوير رقائق الذكاء الاصطناعي المنتجة محليًا، في سعي حثيث لتقليل الاعتماد على التقنيات الأجنبية وتعزيز قدراتها التنافسية في سوق عالمي شديد التعقيد.

الخلفية والسياق الاستراتيجي
تأتي هذه المبادرة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تضمنت فرض قيود صارمة على صادرات أشباه الموصلات المتقدمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي إلى بكين. هذه القيود، التي تستهدف بشكل خاص الرقائق عالية الأداء اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة، قد أبرزت الحاجة الملحة للصين لتعزيز قدراتها المحلية في هذا القطاع الحيوي.
لطالما كانت الصين تعتمد بشكل كبير على الرقائق الأجنبية من شركات مثل نيفيديا وإنتل وكوالكوم، مما يشكل نقطة ضعف استراتيجية. وقد دفعت خطط مثل «صنع في الصين 2025» البلاد نحو هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. وفي هذا الإطار، تعتبر رقائق الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية للابتكار والنمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تطبيقاتها في مجالات الدفاع والمراقبة.
تُعد مراكز البيانات، التي تعتبر عصب عمليات الذكاء الاصطناعي، مستهلكًا هائلاً للطاقة. ومع ازدياد تعقيد نماذج الذكاء الاصطناعي وحجم البيانات التي تعالجها، تتزايد الحاجة إلى قدرات حوسبة ضخمة، مما يعني استهلاكًا أكبر بكثير للكهرباء. لذلك، تمثل تكلفة الطاقة تحديًا كبيرًا أمام الشركات التي تسعى إلى تطوير ونشر حلول الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
تفاصيل المبادرة الجديدة
بموجب المبادرة الجديدة، ستحصل مراكز البيانات الكبرى في الصين، التي تلتزم باستخدام رقائق الذكاء الاصطناعي المصممة والمصنعة محليًا بشكل أساسي، على دعم يصل إلى 50% من تكاليف الطاقة. ويهدف هذا الدعم المباشر إلى تخفيف العبء المالي الكبير الذي تواجهه هذه الشركات، وتمكينها من تخصيص المزيد من الموارد للبحث والتطوير والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتشمل الشركات التي من المتوقع أن تستفيد من هذه الحوافز عمالقة التكنولوجيا الصينية التي تعمل على تطوير رقائقها الخاصة، مثل شركة هواوي بسلسلة شرائحها «آسيند» (Ascend) وشركة كامبريكون (Cambricon) المعروفة بمنتجاتها في مجال الذكاء الاصطناعي. تُعد هذه الشركات في طليعة الجهود الصينية لتوفير بدائل محلية للرقائق الأجنبية، وتقديم حلول قادرة على المنافسة في السوق.
- الدعم المالي المباشر: تقليل تكاليف التشغيل بنسبة تصل إلى 50% لمراكز البيانات المؤهلة.
- التركيز على الرقائق المحلية: يشترط الحصول على الدعم استخدام رقائق الذكاء الاصطناعي المنتجة داخل الصين.
- المستفيدون الرئيسيون: شركات مثل هواوي (سلسلة Ascend) وكامبريكون.
- الهدف: تحفيز الطلب على الرقائق المحلية وتقليل الحواجز الاقتصادية أمام تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي.
هذه السياسة تخلق حلقة تغذية إيجابية؛ فكلما انخفضت تكلفة تشغيل مراكز البيانات التي تستخدم الرقائق المحلية، زاد اعتماد الشركات عليها، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الطلب وتحفيز الاستثمار في البحث والتطوير والإنتاج المحلي.
الأهداف والتطلعات الصينية
تتجاوز الأهداف الصينية لهذه المبادرة مجرد خفض التكاليف التشغيلية. فالهدف الأسمى هو بناء نظام بيئي متكامل ومكتفٍ ذاتيًا في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. تسعى بكين إلى أن تصبح رائدة عالميًا في هذا المجال بحلول عام 2030، وهذه الخطوات جزء أساسي من تلك الرؤية.
من خلال دعم الشركات المحلية، تأمل الصين في تحقيق ما يلي:
- السيادة التكنولوجية: تقليل التعرض للضغوط الخارجية وضمان استمرارية الإمداد بالتقنيات الحيوية.
- تعزيز الابتكار: توفير بيئة محفزة للشركات الصينية لتطوير رقائق ذكاء اصطناعي أكثر قوة وكفاءة.
- النمو الاقتصادي: خلق صناعة محلية مزدهرة توفر فرص عمل وتساهم في النمو الاقتصادي الشامل.
- القدرة التنافسية العالمية: تمكين الشركات الصينية من المنافسة بفعالية أكبر في السوق العالمية للذكاء الاصطناعي.
تُعد هذه المبادرات جزءًا من استراتيجية أوسع تتضمن استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وبرامج لتنمية المواهب، وسياسات تفضيلية للمشتريات الحكومية لدعم المنتجات المحلية.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من حماس الصين وجهودها الجبارة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعترض طريقها نحو الاكتفاء الذاتي الكامل في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي. فصناعة أشباه الموصلات معقدة للغاية، وتتطلب تكنولوجيا تصنيع متقدمة (مثل تقنية الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى EUV) وأدوات تصميم برمجية (EDA) تسيطر عليها بشكل كبير الشركات الغربية.
كما أن تطوير رقائق قادرة على منافسة منتجات الشركات العالمية الرائدة يتطلب وقتًا وموارد هائلة وخبرات متراكمة. ورغم التقدم الملحوظ لشركات مثل هواوي وكامبريكون، لا تزال هناك فجوات في بعض الجوانب التكنولوجية والإنتاجية التي تحتاج إلى معالجة.
ومع ذلك، فإن مبادرة دعم الطاقة هذه تمثل مؤشرًا واضحًا على تصميم الصين على التغلب على هذه التحديات. إنها ليست مجرد سياسة اقتصادية، بل هي استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد التكنولوجي العالمي وتعزيز مكانة الصين كقوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي.
في الختام، تعكس هذه الحوافز الطاقوية التزام الصين الراسخ بتحقيق السيادة التكنولوجية في قطاع الذكاء الاصطناعي. وبينما تبقى التحديات قائمة، فإن هذه الخطوات الجريئة تضع أساسًا قويًا لنمو صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي المحلية، مما قد يغير موازين القوى في السباق العالمي نحو التفوق التكنولوجي خلال السنوات القادمة.




