القطاع الصحي في غزة: تحديات متفاقمة ونداءات استغاثة عاجلة
في الآونة الأخيرة، تواصل التحذيرات الصادرة عن مسؤولي الإغاثة في قطاع غزة، مؤكدين أن النظام الصحي في المنطقة يواجه تحديات غير مسبوقة ومتراكمة، تهدد بانهياره الكامل في ظل الظروف الراهنة. تسلط هذه التحذيرات الضوء على سلسلة من الأزمات التي تفاقمت على مر السنين ووصلت إلى نقطة حرجة، مما يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً.

خلفية الأزمة
لطالما عانى القطاع الصحي في غزة من هشاشة مزمنة نتيجة سنوات طويلة من الحصار والقيود المفروضة على دخول الإمدادات الأساسية، بالإضافة إلى تداعيات الصراعات المتكررة التي أدت إلى تدهور البنية التحتية الصحية وتآكل قدرتها على تقديم الخدمات بشكل فعال. قبل الأحداث الأخيرة، كانت المستشفيات والعيادات تعمل بالفعل بأقل من طاقتها التشغيلية، وتواجه نقصاً مزمناً في الأدوية والمعدات الطبية والطواقم المتخصصة.
التحديات الراهنة وتداعياتها
مع تصاعد الأحداث في الأيام والأسابيع الماضية، شهدت المستشفيات تدفقاً هائلاً للمصابين والجرحى، تجاوز بكثير طاقتها الاستيعابية، مما اضطر الطواقم الطبية إلى العمل في ظروف بالغة الصعوبة واتخاذ قرارات قاسية بشأن أولوية العلاج، أحياناً في غرف العمليات التي تفتقر لأبسط الإمدادات. هذه الظروف القاسية لا تؤثر فقط على المصابين جراء العنف، بل تمتد لتشمل جميع شرائح المجتمع.
كما أشار المسؤولون إلى ارتفاع مقلق في معدلات الإصابة بالأمراض، سواء كانت مزمنة أو معدية، وهي ظاهرة تعكس تردي الأوضاع الصحية والبيئية في القطاع. تشمل هذه الأزمات المتفاقمة:
- نقص حاد في الأدوية الأساسية: هناك شح في الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط وأمراض القلب والسرطان، مما يعرض حياة آلاف المرضى للخطر المباشر، وتتوقف العديد من العمليات الجراحية الروتينية والطارئة.
 - تفشي الأمراض المعدية: تسهم الظروف المعيشية القاسية، بما في ذلك الاكتظاظ الشديد في مراكز الإيواء، ونقص المياه النظيفة الصالحة للشرب والاستخدام، وسوء الصرف الصحي، وتراكم النفايات، في تفشي سريع للأمراض المعدية كالإسهال والتهاب الكبد الوبائي والأمراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي، خاصة بين الأطفال والفئات الأكثر ضعفاً.
 - سوء التغذية: يهدد سوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل، بتدهور صحي واسع النطاق. يؤدي نقص الغذاء والماء النظيف إلى إضعاف الجهاز المناعي، مما يزيد من قابلية الإصابة بالأمراض ويزيد من معدلات الوفيات بشكل مأساوي.
 - تدمير البنية التحتية الصحية: تعرضت العديد من المستشفيات والمراكز الصحية لأضرار بالغة أو خرجت عن الخدمة تماماً، مما قلص بشكل كبير قدرة القطاع على تقديم أي نوع من الرعاية.
 - نقص الوقود والطاقة: الاعتماد الكلي للمستشفيات على المولدات الكهربائية في ظل انقطاع التيار الكهربائي يجعلها عرضة للتوقف التام عند نفاد الوقود، وهو ما يعني توقف الأجهزة المنقذة للحياة، بما في ذلك حاضنات الأطفال وأجهزة غسيل الكلى وغرف العمليات.
 
التداعيات المستقبلية والنداءات الدولية
لا تقتصر الأزمة على تدهور الخدمات الطبية فحسب، بل تمتد لتشمل البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والطاقة، التي تعد ركائز أساسية لأي نظام صحي فعال. الأضرار واسعة النطاق في هذه القطاعات تسببت في تقويض قدرة المستشفيات على العمل، ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات يعني توقف الأجهزة المنقذة للحياة التي تعتمد عليها حياة الآلاف.
في ظل هذا الواقع المرير، تتزايد الدعوات من المنظمات الدولية والإنسانية لفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإغاثية والطبية بشكل عاجل ودون عوائق، وتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيل النظام الصحي وضمان حصول سكان غزة على أبسط حقوقهم في الرعاية الصحية. إن استمرار الأوضاع على ما هي عليه ينذر بكارثة إنسانية أشد وطأة، تتطلب تحركاً دولياً سريعاً وفعالاً لتجنيب غزة الانهيار التام لقطاعها الصحي، الذي يمثل شريان الحياة لمئات الآلاف من المدنيين.




