المؤسسة العسكرية الإسرائيلية توصي بمنع عودة سكان غزة إلى المنطقة العازلة
أفادت تقارير إعلامية حديثة، مستندة إلى مصادر إسرائيلية، بأن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قدمت توصية للمستوى السياسي في البلاد، مفادها عدم السماح بعودة السكان الفلسطينيين إلى المنطقة العازلة المقترحة على طول حدود قطاع غزة. تأتي هذه التوصية في سياق النقاشات المستمرة حول مستقبل الأمن في غزة وإعادة الترتيبات الحدودية في أعقاب الأحداث العسكرية الأخيرة.

خلفية المنطقة العازلة ومبرراتها
لطالما كانت فكرة إنشاء منطقة عازلة أو أمنية على حدود قطاع غزة جزءًا من الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية. بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023، تجدد الحديث عن هذه المنطقة بشدة، حيث تعتبرها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ضرورية لتعزيز أمن المجتمعات الإسرائيلية المحاذية للقطاع ومنع أي توغلات مستقبلية. تهدف التوصية الحالية إلى إنشاء حزام أمني يتم تفريغه من الوجود السكاني الفلسطيني على امتداد الحدود الشرقية والشمالية لغزة، بعمق قد يتراوح بين مئات الأمتار وكيلومتر واحد أو أكثر في بعض المناطق.
وفقاً للتصريحات المتداولة، تهدف هذه المنطقة إلى تحقيق عدة أهداف أمنية رئيسية:
- منع التسلل: توفير مساحة خالية تسمح بالكشف المبكر عن أي محاولات تسلل عبر الحدود.
- تدمير الأنفاق: تسهيل عمليات البحث وتدمير شبكة الأنفاق العابرة للحدود دون مخاطر على المدنيين.
- توفير عمق دفاعي: إبعاد أي تهديدات محتملة، بما في ذلك إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، عن المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للقطاع.
- مراقبة الحدود: إتاحة مجال أوسع للمراقبة الأرضية والجوية للحدود.
تؤكد المصادر أن الجيش الإسرائيلي يرى في هذه المنطقة العازلة عنصراً حاسماً في أي خطة أمنية طويلة الأجل لغزة، معتبراً إياها ضرورية لضمان عدم تكرار هجمات مماثلة لتلك التي وقعت في أكتوبر الماضي.
الأبعاد الإنسانية والقانونية
تثير التوصية بمنع عودة السكان إلى هذه المنطقة العازلة مخاوف إنسانية وقانونية عميقة. تشير التقارير إلى أن مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة قد نزحوا بالفعل من منازلهم، خاصة من المناطق الشمالية والشرقية، بسبب العمليات العسكرية. إن تحويل هذه المناطق إلى منطقة عازلة دائمة سيؤدي إلى حرمان أعداد كبيرة من حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. تقدر منظمات حقوق الإنسان أن هذه الخطوة قد ترقى إلى التهجير القسري، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تحظر على قوة الاحتلال تغيير الوضع الديموغرافي للأراضي المحتلة أو تهجير سكانها.
يعتمد الاقتصاد الفلسطيني في غزة بشكل كبير على الزراعة، وكثير من الأراضي المقترحة للمنطقة العازلة هي أراضٍ زراعية خصبة. سيؤدي منع الوصول إليها إلى تدمير سبل عيش العديد من العائلات، مما يزيد من الأزمة الإنسانية والاقتصادية في القطاع الذي يعاني أصلاً من حصار طويل وتداعيات النزاعات المتكررة.
ردود الفعل والتداعيات المحتملة
من المتوقع أن تواجه هذه التوصية معارضة قوية من قبل الفلسطينيين والمجتمع الدولي:
- الفلسطينيون: تعتبر القيادة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى عموم سكان غزة، أن أي محاولة لفرض منطقة عازلة تمنع عودة السكان هي انتهاك صارخ لحقوقهم وسيادة أراضيهم، وتدخل ضمن سياسة التطهير العرقي أو التهجير.
- المجتمع الدولي: من المرجح أن تدين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان مثل هذه الخطوة، وتدعو إلى احترام القانون الدولي وحق العودة. قد تثير الولايات المتحدة أيضاً تحفظات، على الرغم من دعمها لأمن إسرائيل، إلا أنها أكدت مراراً على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي غزة وعدم تهجير سكانها.
- الموقف الإسرائيلي الداخلي: بينما تحظى التوصية بدعم واسع داخل المؤسسة الأمنية، قد تواجه تحديات على المستوى السياسي بسبب الضغوط الدولية وتكاليفها المحتملة، سواء من الناحية المالية أو الدبلوماسية.
تطورات الوضع الميداني
خلال الأشهر الماضية، أفادت تقارير وشهادات ميدانية بقيام القوات الإسرائيلية بهدم واسع النطاق للمباني والمنشآت على طول الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، في مناطق تقع ضمن النطاق المقترح للمنطقة العازلة. وقد وثقت صور الأقمار الصناعية دماراً هائلاً في هذه المناطق، مما يشير إلى أن العمل على تنفيذ أجزاء من هذه الخطة قد بدأ بالفعل على الأرض، حتى قبل اتخاذ قرار سياسي نهائي بشأنها. هذا الأمر يعزز المخاوف من أن توصية الجيش قد تتحول إلى واقع دائم يؤثر على مستقبل القطاع وسكانه.
تظل المنطقة العازلة المقترحة نقطة خلاف رئيسية في أي مفاوضات مستقبلية حول غزة، وتثير تساؤلات جدية حول إمكانية إعادة الإعمار وعودة الحياة الطبيعية للمنطقة في ظل هذه الترتيبات الأمنية أحادية الجانب.




