المرشد الإيراني يرد على تهديدات ترامب بشأن القدرات النووية لطهران
في ظل تصاعد التوترات بين طهران وواشنطن، جاء الرد الإيراني على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي انتقد بشدة التصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، والتي لوّح فيها بإمكانية تدمير القدرات النووية الإيرانية. ووصف خامنئي هذه التهديدات بأنها تعكس حالة من الضعف وتندرج ضمن إطار الحرب النفسية، مؤكداً أن زمن "اضرب واهرب" قد انتهى، وأن أي عدوان سيواجه برد حاسم. جاء هذا الموقف في سياق سياسي مشحون، اتسم بحرب كلامية وتبادل للاتهامات بين البلدين.

خلفية التوتر: الانسحاب من الاتفاق النووي
تعود جذور الأزمة الحالية إلى قرار الرئيس ترامب في مايو 2018 بالانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق النووي، المعروف رسمياً باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، والذي تم توقيعه في عام 2015 بين إيران ومجموعة دول (5+1). كان الاتفاق يهدف إلى تقييد برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عنها. بعد الانسحاب، أعادت واشنطن فرض عقوبات صارمة ضمن استراتيجية أطلقت عليها اسم حملة "الضغط الأقصى"، بهدف إجبار إيران على التفاوض حول اتفاق جديد أكثر شمولاً.
طالبت الإدارة الأمريكية بأن يشمل أي اتفاق جديد قيوداً دائمة على البرنامج النووي، بالإضافة إلى معالجة برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونفوذها الإقليمي في دول مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان. في المقابل، رفضت إيران هذه المطالب بشكل قاطع، معتبرة أن الانسحاب الأمريكي هو انتهاك للاتفاق وللقانون الدولي، وبدأت بعد عام من "الصبر الاستراتيجي" بتقليص التزاماتها النووية بشكل تدريجي رداً على عدم وفاء الأطراف الأوروبية بتعهداتها بحماية الاقتصاد الإيراني من العقوبات الأمريكية.
تصعيد الخطاب والتهديدات المتبادلة
شهدت الفترة التي تلت الانسحاب الأمريكي تصعيداً ملحوظاً في الخطاب السياسي بين الطرفين. استخدم الرئيس ترامب حسابه على تويتر ومنصات أخرى بشكل متكرر لتهديد إيران، متوعداً إياها بـ"عواقب لم يختبرها سوى قلة عبر التاريخ" في حال هددت المصالح الأمريكية. وصلت التهديدات إلى ذروتها في بعض الأحيان بالتلويح بـ "التدمير الكامل" لإيران، وهو ما قوبل بردود فعل إيرانية حادة.
من جانبه، قاد المرشد الأعلى علي خامنئي جبهة الرفض الإيرانية، حيث أكد في مناسبات عدة أن التفاوض مع إدارة ترامب تحت الضغط والعقوبات هو "سم زعاف" وخضوع للإرادة الأمريكية. كانت رسائله واضحة: إيران لن تبدأ حرباً، لكنها سترد بقوة على أي اعتداء. ووصف الخطاب الأمريكي بأنه محاولة للتأثير النفسي على الشعب الإيراني وزعزعة استقرار البلاد، مشدداً على ضرورة تعزيز "الاقتصاد المقاوم" والاعتماد على القدرات الذاتية لمواجهة الحصار.
أبعاد الرد الإيراني
لم تكن تصريحات خامنئي مجرد ردود فعل عابرة، بل كانت جزءاً من استراتيجية متكاملة تهدف إلى تحقيق عدة أهداف على الصعيدين الداخلي والخارجي:
- على الصعيد الداخلي: عملت هذه التصريحات على حشد الرأي العام الإيراني خلف القيادة، وتصوير المواجهة مع الولايات المتحدة كقضية كرامة وطنية وسيادة، مما يساهم في تعزيز التماسك الداخلي في مواجهة الضغوط الاقتصادية الشديدة.
- على الصعيد الخارجي: كانت الرسالة موجهة إلى المجتمع الدولي والولايات المتحدة على حد سواء، ومفادها أن سياسة "الضغط الأقصى" لن تؤدي إلى استسلام إيران، بل قد تدفع المنطقة نحو مواجهة عسكرية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
- تأكيد مبدأ الردع: من خلال التأكيد على القدرة على الرد، سعت طهران إلى خلق توازن ردع يمنع الولايات المتحدة أو حلفاءها في المنطقة من شن هجوم عسكري، وإظهار أن تكلفة مثل هذا الهجوم ستكون باهظة جداً.
أهمية الموقف وتداعياته
تعكس هذه المواجهة الكلامية حالة الجمود الدبلوماسي التي سادت العلاقات بين البلدين، حيث أغلق كل طرف الباب أمام أي تسوية لا تلبي شروطه المسبقة. أدى هذا الانسداد إلى زيادة المخاطر الأمنية في منطقة الخليج، والتي شهدت حوادث خطيرة مثل استهداف ناقلات نفط وإسقاط طائرة أمريكية مسيرة، مما دفع بالمنطقة مراراً إلى حافة مواجهة شاملة.
في خضم هذا التصعيد، حاولت الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) القيام بجهود وساطة للحفاظ على الاتفاق النووي وتخفيف التوتر، لكن جهودها اصطدمت بالرفض الأمريكي لأي حلول وسط وبالتشدد الإيراني في المطالبة برفع كامل للعقوبات كشرط للعودة إلى طاولة المفاوضات. وبذلك، ظل الوضع متأزماً، محكوماً بمنطق التصعيد المتبادل وانتظار أي تغيير في المشهد السياسي لدى أي من الطرفين.





