بعد إطلاق سراحهم من غزة.. الرهائن الإسرائيليون في مواجهة تحديات التعافي
في تطور يمثل نهاية لفصل مؤلم استمر لعامين، تم إطلاق سراح آخر الرهائن الإسرائيليين الذين كانوا محتجزين في قطاع غزة يوم الاثنين، 13 أكتوبر/تشرين الأول. ورغم أن عودتهم أثارت موجة من الارتياح الوطني، إلا أنها تمثل بداية رحلة طويلة ومعقدة من التعافي الجسدي والنفسي. وقد نُقل المحررون، الذين بدت عليهم علامات الضعف والإنهاك الشديد، فور وصولهم إلى مراكز طبية متخصصة لبدء عملية علاج وإعادة تأهيل مكثفة.

خلفية الأزمة
بدأت محنة هؤلاء الرهائن قبل عامين في أعقاب الهجوم واسع النطاق الذي شنته حركة حماس على بلدات ومواقع في جنوب إسرائيل، والذي أدى إلى مقتل المئات وأسر عشرات العسكريين والمدنيين الذين تم اقتيادهم إلى داخل قطاع غزة. أشعل هذا الهجوم حرباً مدمرة، وظلت قضية الرهائن خلالها ملفاً محورياً ومؤلماً في صميم النقاش العام الإسرائيلي ومحوراً للجهود الدبلوماسية الدولية.
تفاصيل عملية الإفراج والتقييم الأولي
جاء الإفراج عن الرهائن تتويجاً لمفاوضات غير مباشرة استمرت أشهراً، قادتها أطراف دولية وإقليمية أبرزها قطر ومصر والولايات المتحدة. وفور تسلمهم، تم نقلهم جواً إلى مستشفيات مجهزة في وسط إسرائيل، حيث خضعوا لتقييمات طبية أولية. وأشارت التقارير الطبية المبدئية إلى أنهم يعانون من أعراض سوء تغذية حاد، وجفاف، وإصابات جسدية متنوعة، بعضها يعود إلى يوم أسرهم والبعض الآخر ناجم عن ظروف الاحتجاز الصعبة. وأكدت الفرق الطبية أن الأولوية القصوى حالياً هي استقرار حالتهم الصحية قبل البدء في معالجة الآثار النفسية العميقة.
حجم الصدمات الجسدية والنفسية
يواجه العائدون تحديات هائلة على طريق الشفاء، نتيجة للصدمات المتعددة التي تعرضوا لها خلال فترة الأسر الطويلة. من الناحية الجسدية، يعالج الأطباء مجموعة من المشكلات الصحية المعقدة التي تتطلب رعاية متخصصة. وتشمل أبرز هذه المشكلات ما يلي:
- فقدان كبير في الوزن ونقص حاد في الفيتامينات والمعادن نتيجة الحرمان من الغذاء الكافي.
- ضمور في العضلات وضعف عام بسبب الاحتجاز لفترات طويلة في أماكن ضيقة ومحدودة الحركة.
- إصابات وجروح لم تحظَ بالعلاج المناسب، بالإضافة إلى التهابات جلدية.
- مشكلات في الأسنان والبصر ناتجة عن سوء النظافة وغياب الرعاية الصحية.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن الجروح النفسية قد تكون أشد وطأة وأصعب شفاءً. ويواجه الرهائن السابقون خطراً مرتفعاً للإصابة بحالات نفسية حادة، وعلى رأسها اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الذي يتجلى في كوابيس وذكريات اقتحامية وقلق مستمر. كما أنهم معرضون للاكتئاب، وفقدان الثقة بالآخرين، وصعوبات هائلة في إعادة الاندماج في حياة أسرية ومجتمعية تغيرت كثيراً في غيابهم.
برامج الدعم وإعادة التأهيل
استجابة لهذه الاحتياجات المعقدة، فعلت السلطات الصحية الإسرائيلية بروتوكولات دعم شاملة ومتعددة التخصصات. تم تخصيص فريق متكامل لكل عائد، يضم أطباء وأخصائيين نفسيين ومعالجين اجتماعيين. وتتم عملية إعادة التأهيل على مراحل مدروسة، تبدأ بالرعاية الطبية المركزة في أجنحة معزولة بالمستشفيات لحمايتهم من ضغوط الإعلام والجمهور، تليها برامج علاج نفسي طويلة الأمد مصممة خصيصاً لكل حالة. كما يتم تقديم الدعم والإرشاد لأفراد أسرهم لمساعدتهم على فهم طبيعة الصدمة وكيفية التعامل معها بفعالية.
ردود الفعل والتداعيات العامة
أحدثت عودة الرهائن أصداءً واسعة في إسرائيل، حيث امتزجت مشاعر الفرح والارتياح بالحزن على من لم يعودوا. وأشاد المسؤولون الحكوميون، بمن فيهم رئيس الوزراء، بعودتهم باعتبارها تحقيقاً لهدف أخلاقي ووطني، لكنهم أقروا في الوقت ذاته بـ "الثمن الباهظ" الذي دُفع على المستويين العسكري والسياسي. وقد أعادت هذه القضية فتح نقاشات مجتمعية عميقة حول استراتيجيات الحرب والمفاضلة بين الخيارات العسكرية والدبلوماسية. على الصعيد الدولي، قوبلت عملية الإفراج بترحيب واسع، مع تجديد الدعوات لإيجاد حل دائم للصراع.
في الختام، ورغم أن لم شمل الرهائن بعائلاتهم يمثل لحظة فارقة، إلا أن طريقهم نحو استعادة حياتهم الطبيعية لا يزال طويلاً وشاقاً. إن قدرتهم على الشفاء والتعافي ستعتمد بشكل كبير على استمرارية الدعم المتخصص الذي سيقدمه لهم المجتمع والدولة في الأشهر والسنوات القادمة، لتبقى قصتهم شاهداً على التكلفة الإنسانية الباهظة للنزاعات.




