تحذير أممي: مادة الأسبستوس المسرطنة تهدد غزة وسط جهود إزالة الأنقاض
في تحذيرات حديثة، سلطت هيئات تابعة للأمم المتحدة الضوء على أزمة بيئية وصحية خطيرة تلوح في أفق قطاع غزة، تتجاوز الدمار المباشر الناجم عن الصراع. فبينما تتركز الأنظار على إزالة الأنقاض الهائلة تمهيداً لإعادة الإعمار، يكمن خطر خفي ومميت، وصفه الخبراء بأنه قد يكون أخطر من القنابل على المدى الطويل، وهو التلوث واسع النطاق بمادة الأسبستوس، المعروفة أيضًا باسم الحرير الصخري، وهي مادة مسرطنة معروفة عالميًا.

ما هو الأسبستوس وما هي مخاطره؟
الأسبستوس هو مجموعة من المعادن الليفية الطبيعية التي استخدمت على نطاق واسع في قطاع البناء حول العالم، بما في ذلك في غزة، نظرًا لخصائصها المقاومة للحرارة والنار وقدرتها على العزل. كانت تدخل في صناعة أسقف المباني، وأنابيب المياه، ومواد العزل، وبلاط الأرضيات. تكمن خطورة هذه المادة في أن أليافها الدقيقة، التي لا تُرى بالعين المجردة، يمكن أن تتطاير في الهواء عند تعرض المواد الحاوية لها للكسر أو التلف أو الهدم.
عند استنشاق هذه الألياف، فإنها تستقر في الرئتين مسببةً أمراضًا فتاكة تظهر غالبًا بعد سنوات أو حتى عقود من التعرض الأولي، مما يجعلها "قنبلة موقوتة" صحيًا. تشمل أبرز المخاطر الصحية المرتبطة بالتعرض للأسبستوس ما يلي:
- داء الأسبست (التليف الرئوي): وهو مرض رئوي مزمن يؤدي إلى تندب أنسجة الرئة وصعوبة شديدة في التنفس.
- سرطان الرئة: يزداد خطر الإصابة به بشكل كبير لدى الأشخاص الذين يتعرضون للأسبستوس.
- ورم المتوسطة: وهو نوع نادر وشديد العدوانية من السرطان يصيب الغشاء الرقيق الذي يحيط بالرئة والتجويف البطني، ويكاد يكون التعرض للأسبستوس هو سببه الوحيد.
حجم الكارثة البيئية في غزة
وفقًا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ومنظمات دولية أخرى، خلّف الصراع الأخير في غزة كمية غير مسبوقة من الأنقاض تُقدر بأكثر من 37 مليون طن. هذه الكمية الهائلة من الركام ناتجة عن تدمير عشرات الآلاف من المباني السكنية والبنى التحتية. وبما أن العديد من هذه المباني قد شُيدت قبل فرض قيود على استخدام الأسبستوس، يُعتقد أن نسبة كبيرة من هذا الركام ملوثة بهذه المادة الخطرة. عمليات الهدم والقصف حولت هذه المواد إلى غبار سام يمكن أن ينتشر بسهولة عبر الهواء، مما يعرض عمال الإغاثة وفرق إزالة الأنقاض والسكان المحليين، وخاصة الأطفال، لخطر استنشاق الألياف القاتلة.
توصيات أممية ومناشدات عاجلة
دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر، مؤكدة أن عمليات إزالة الأنقاض يجب أن تتم وفق بروتوكولات صارمة للسلامة لمنع كارثة صحية عامة في المستقبل. وقد أصدر الخبراء مجموعة من التوصيات الملحة التي يجب على الجهات المعنية بإعادة الإعمار اتباعها، ومن أهمها:
- إجراء تقييم شامل للمواقع لتحديد المناطق ذات المستويات العالية من تلوث الأسبستوس قبل البدء في أي أعمال إزالة.
- توفير معدات الوقاية الشخصية المتخصصة، مثل الأقنعة التنفسية عالية الكفاءة والملابس الواقية، لجميع العاملين في مجال إزالة الركام.
- استخدام تقنيات متخصصة للحد من انتشار الغبار، مثل رش الأنقاض بالماء باستمرار لإبقاء الألياف الخطرة ثابتة ومنع تطايرها.
- نقل المواد الملوثة والتخلص منها في مواقع نفايات خطرة مخصصة ومصممة لمنع تسرب التلوث إلى البيئة المحيطة، بما في ذلك المياه الجوفية.
- إطلاق حملات توعية للسكان المحليين حول مخاطر التعامل مع الأنقاض بأنفسهم وتحذيرهم من الاقتراب من مناطق العمل غير الآمنة.
تحديات إزالة الأنقاض الملوثة
تواجه جهود التعامل الآمن مع الأنقاض في غزة تحديات هائلة. فالوضع الإنساني والأمني المعقد، ونقص المعدات الثقيلة والمتخصصة، وشح الموارد المالية، كلها عوامل تعرقل تطبيق إجراءات السلامة الموصى بها. علاوة على ذلك، فإن الحاجة الملحة لدى السكان للبحث عن ممتلكاتهم أو محاولة إعادة بناء منازلهم بسرعة قد تدفعهم إلى تجاهل المخاطر والتعامل مع الركام بطرق غير آمنة. إن الجمع بين حجم الدمار الهائل ووجود ملوثات خطيرة مثل الأسبستوس يخلق أزمة مركبة تتطلب استجابة دولية منسقة ودعمًا فنيًا وماليًا عاجلاً لضمان أن لا تكون عملية إعادة بناء غزة سببًا في معاناة أجيال قادمة من أمراض مميتة.





