ترامب يبدي اهتمامه بفكرة إنشاء نفق يربط بين روسيا وألاسكا
أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترة ولايته تسليط الضوء على فكرة طموحة وقديمة، وهي إنشاء نفق يربط بين قارتي آسيا وأمريكا الشمالية عبر مضيق بيرينغ. ففي تصريحات نقلتها وسائل الإعلام قرابة عام 2018، وصف ترامب المشروع الذي يهدف إلى ربط روسيا بولاية ألاسكا الأمريكية بأنه "مثير للاهتمام"، مما أثار موجة من النقاشات حول جدوى هذا المشروع العملاق وتداعياته الاستراتيجية.

خلفية تاريخية لمشروع الربط القاري
فكرة إنشاء معبر بري فوق أو تحت مضيق بيرينغ ليست جديدة على الإطلاق، بل يعود تاريخها إلى أكثر من قرن. كان القيصر الروسي نيقولا الثاني من أوائل من وافقوا على خطط مماثلة في عام 1905، بهدف ربط إمبراطوريته الشاسعة بأمريكا الشمالية عبر خط سكة حديد. وعلى مر العقود، تم إحياء الفكرة عدة مرات من قبل مهندسين وسياسيين في كل من روسيا والولايات المتحدة، حيث يُنظر إليها على أنها مشروع قادر على تغيير وجه التجارة العالمية والبنية التحتية للنقل بشكل جذري.
تجدد الاهتمام بالفكرة
جاء تعليق ترامب في سياق تجدد طرح المشروع من الجانب الروسي، حيث كان مسؤولون وشخصيات بارزة في قطاع الأعمال يروجون لمشروع يُعرف باسم "TKM-World Link"، وهو خط سكة حديد فائق السرعة يمتد عبر سيبيريا وصولًا إلى مضيق بيرينغ. يتضمن المخطط حفر نفق تحت البحر يبلغ طوله حوالي 105 كيلومترات (65 ميلًا)، ليكون بذلك أطول نفق تحت الماء في العالم. أدت هذه المقترحات إلى وصول الفكرة إلى البيت الأبيض، مما استدعى تعليق الرئيس آنذاك.
موقف ترامب والسياق الدولي
على الرغم من أن وصف ترامب للفكرة بـ "المثيرة للاهتمام" لم يترجم إلى أي سياسة رسمية أو التزام حكومي، إلا أنه كان لافتًا في ظل العلاقات المعقدة بين واشنطن وموسكو. اعتبر البعض تعليقه مجرد ملاحظة عابرة تعكس اهتمامه بالمشاريع الضخمة، بينما رآه آخرون مؤشرًا على استعداده للنظر في أفكار غير تقليدية للتعاون الدولي. ومع ذلك، لم يتجاوز الأمر حدود النقاش الإعلامي، وظل المشروع في إطاره النظري دون أي خطوات عملية من جانب الإدارة الأمريكية.
التحديات الهندسية والمالية
يقف المشروع أمام عقبات هائلة تجعل من تنفيذه أمرًا شبه مستحيل في المستقبل المنظور. تتطلب هذه الفكرة التغلب على تحديات تقنية واقتصادية غير مسبوقة، من أبرزها:
- الظروف المناخية القاسية: تقع منطقة مضيق بيرينغ في القطب الشمالي، وتتميز بظروف جوية بالغة الصعوبة وجليد بحري يعيق أعمال البناء والصيانة.
- التكلفة الباهظة: تُقدر تكاليف حفر النفق وبناء البنية التحتية المرتبطة به بمئات المليارات من الدولارات، وقد تصل إلى تريليون دولار، مما يتطلب تمويلًا دوليًا ضخمًا والتزامًا طويل الأمد.
- البنية التحتية المفقودة: يتطلب المشروع بناء آلاف الكيلومترات من خطوط السكك الحديدية والطرق في مناطق نائية وغير مأهولة في كل من سيبيريا وألاسكا لربط النفق بالشبكات القائمة.
- الإرادة السياسية: يتطلب مثل هذا المشروع مستوى استثنائيًا من الثقة والتعاون المستقر بين الولايات المتحدة وروسيا، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية.
الأهمية الاستراتيجية المحتملة
على الرغم من هذه الصعوبات، يرى المؤيدون أن إنشاء رابط بري بين القارتين سيحقق فوائد استراتيجية كبرى، مثل تقليص زمن نقل البضائع بشكل كبير بين آسيا وأمريكا، وتوفير ممر آمن لنقل موارد الطاقة، وتحفيز التنمية الاقتصادية في المناطق الشمالية النائية. وفي حين يظل نفق روسيا-ألاسكا حلمًا بعيد المنال، فإن النقاش الذي أثاره تعليق ترامب يذكرنا بالجاذبية الدائمة للمشاريع الكبرى التي تتحدى الحدود الجغرافية والسياسية.





