ترامب يلغي قمته مع بوتين في بودابست واصفاً المحادثات بـ"غير المجدية"
في خطوة مفاجئة أثارت قلقاً في الأوساط الدبلوماسية الدولية، أعلن البيت الأبيض في بيان صدر صباح اليوم عن إلغاء القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والتي كان من المقرر عقدها في العاصمة المجرية بودابست. وعزا البيان القرار إلى ما وصفه بـ"فشل المفاوضات التمهيدية وعدم إحراز أي تقدم ملموس"، ونقل عن الرئيس ترامب قوله إن أي محادثات إضافية مع نظيره الروسي ستكون "دون أي فائدة" في ظل الظروف الحالية.

خلفية القمة الملغاة وأهدافها
جاء التحضير لهذه القمة، التي كان من المأمول أن تكون الأولى من نوعها منذ لقاء هلسنكي، في سياق توترات متزايدة بين واشنطن وموسكو. وكان من المقرر أن تتناول المحادثات مجموعة من القضايا الشائكة التي تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية، وعلى رأسها مستقبل معاهدة "نيو ستارت" للحد من الأسلحة النووية، والتي ينتهي أجلها قريباً. كما كان من المتوقع أن يناقش الزعيمان الأزمة المستمرة في أوكرانيا، والوضع في سوريا، بالإضافة إلى قضايا الأمن السيبراني والاتهامات بالتدخل في الانتخابات.
وقد اُختيرت بودابست كمكان للاجتماع لكونها عاصمة دولة عضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، لكنها في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات وثيقة مع موسكو، مما كان يُعتقد أنه سيوفر بيئة محايدة ومناسبة لحوار صريح. وسبقت الإعلان عن القمة جولات مكوكية من المحادثات على مستوى مستشاري الأمن القومي ومسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين، إلا أن هذه الجهود لم تفلح في بناء أرضية مشتركة كافية لعقد لقاء على مستوى القمة.
تفاصيل الإلغاء وأسبابه
أشار بيان البيت الأبيض بوضوح إلى أن قرار الإلغاء جاء بناءً على تقييم الرئيس ترامب الشخصي بأن القمة لن تسفر عن نتائج إيجابية. ونُسب إلى الرئيس قوله في تصريح مباشر: "لقد أجرينا محادثات تمهيدية كافية، وأحاديثي مع فلاديمير في هذه المرحلة ستكون دون أي فائدة. لن أذهب إلى اجتماع لمجرد الاجتماع". ويعكس هذا التصريح، الذي وُصف بالصريح بشكل غير معتاد، حجم الخلافات بين الجانبين بشأن الملفات المطروحة.
لم يحدد البيان طبيعة "فشل المفاوضات" بدقة، لكن مصادر دبلوماسية رجحت أن الخلافات الجوهرية تركزت حول شروط تمديد معاهدة "نيو ستارت". وبحسب هذه المصادر، أصرت واشنطن على إدراج الصين في أي اتفاقية جديدة للحد من التسلح، وهو ما رفضته موسكو بشكل قاطع، معتبرة إياه شرطاً تعجيزياً يهدف إلى إفشال الحوار منذ البداية. كما أن عدم التوصل إلى تفاهمات حول خفض التصعيد في شرق أوكرانيا كان عاملاً رئيسياً آخر في انهيار التحضيرات.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
جاء رد فعل الكرملين سريعاً وحذراً، حيث أعرب المتحدث باسم الرئاسة الروسية عن "أسفه" للقرار الأمريكي الذي وصفه بـ"الأحادي الجانب". وأكد المتحدث أن موسكو كانت ولا تزال منفتحة على الحوار، لكنه أشار إلى أن "الحوار يتطلب إرادة من الطرفين". وأضاف أن الكرملين لم يتلق إشعاراً رسمياً عبر القنوات الدبلوماسية قبل صدور البيان الصحفي للبيت الأبيض، مما يشير إلى مستوى متدنٍ من التنسيق بين القوتين.
من جانبها، عبرت الحكومة المجرية عن خيبة أملها، حيث كانت تأمل أن يعزز استضافة القمة من مكانتها على الساحة الدولية. وفي بروكسل، تباينت ردود فعل المسؤولين الأوروبيين؛ فبينما رأى البعض في إلغاء القمة دليلاً على فشل سياسة الحوار مع روسيا، أعرب آخرون عن قلقهم من أن غياب التواصل على أعلى المستويات قد يزيد من مخاطر سوء التقدير والنزاع.
التداعيات المحتملة على العلاقات المستقبلية
يمثل إلغاء قمة بودابست نكسة كبيرة للعلاقات الأمريكية الروسية، التي وصلت بالفعل إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة. ويرى محللون أن هذا القرار يغلق نافذة مهمة للحوار، ويزيد من حالة عدم اليقين بشأن القضايا الأمنية العالمية الملحة. كما أنه يضع مستقبل معاهدات الحد من التسلح في مهب الريح، مما يفتح الباب أمام سباق تسلح جديد محتمل بين القوى الكبرى.
وعلى المدى القصير، من المتوقع أن يؤدي هذا التطور إلى تجميد الاتصالات رفيعة المستوى بين البلدين، وقد يشجع الأصوات المتشددة في كل من واشنطن وموسكو. ويبقى السؤال الأبرز هو ما إذا كان الطرفان سيتمكنان من إيجاد سبل بديلة لإدارة خلافاتهما ومنعها من الخروج عن السيطرة في ظل غياب قنوات الحوار المباشر على مستوى القادة.





