تطورات قضائية بقانون الإيجار القديم: المحاكم المصرية تحسم النزاع لصالح المُلاك
تشهد العلاقة بين المُلاك والمستأجرين في مصر منعطفاً جديداً، حيث أصدرت المحاكم المصرية خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الأحكام القضائية التي تقضي بإخلاء الوحدات المؤجرة بموجب قانون الإيجار القديم، وذلك استناداً إلى تعديلات تشريعية حديثة. هذه التطورات تمثل تحولاً كبيراً في قضية شائكة وممتدة لعقود، حيث بدأت الكفة تميل بوضوح لصالح مالكي العقارات بعد سنوات طويلة من الجمود القانوني.

خلفية عن أزمة الإيجار القديم
تعود جذور قانون الإيجار القديم إلى مجموعة من التشريعات الاستثنائية التي صدرت في منتصف القرن العشرين بهدف توفير السكن بأسعار منخفضة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية معينة. وقد منحت هذه القوانين المستأجرين مزايا واسعة، أبرزها تثبيت القيمة الإيجارية عند مستويات منخفضة للغاية وامتداد عقود الإيجار تلقائياً لورثة المستأجر الأصلي، مما حول العلاقة الإيجارية إلى ما يشبه الملكية شبه الدائمة. ومع مرور الزمن، أدت هذه الأوضاع إلى تجميد الثروة العقارية وتدهور حالة الكثير من المباني القديمة لعدم وجود حافز اقتصادي لدى الملاك لصيانتها، في حين شعروا بغبن شديد لعدم قدرتهم على استغلال ممتلكاتهم بشكل عادل.
التعديلات التشريعية الأخيرة: القانون رقم 10 لسنة 2022
شكل صدور القانون رقم 10 لسنة 2022 نقطة تحول رئيسية في هذا الملف. استهدف هذا التشريع بشكل خاص الوحدات المؤجرة لغير غرض السكنى (التجارية والإدارية) الخاضعة لأحكام قوانين الإيجار القديم. وضع القانون إطاراً زمنياً واضحاً لإنهاء هذه العقود، حيث نص على فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبدأ من تاريخ العمل بالقانون في مارس 2022. خلال هذه الفترة، يتم تطبيق زيادة سنوية على القيمة الإيجارية بنسبة 15%. وبحلول مارس 2027، تنتهي جميع هذه العقود بقوة القانون، ويُلزم المستأجرون بتسليم الوحدات إلى الملاك.
- فترة انتقالية: خمس سنوات تنتهي في مارس 2027.
- زيادة إيجارية: 15% سنوياً لمدة خمس سنوات.
- النطاق: يطبق على الأشخاص الاعتبارية للوحدات غير السكنية.
- النتيجة: إنهاء العقد وإخلاء الوحدة بشكل إلزامي بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
الأحكام القضائية الحاسمة وتأثيرها
بناءً على هذا الإطار التشريعي الجديد، بدأت المحاكم المصرية بمختلف درجاتها، بما في ذلك محكمة النقض، في تطبيق نصوص القانون بشكل حاسم. وقد صدرت أحكام قضائية متعددة تقضي بطرد المستأجرين من الوحدات التجارية والإدارية في الحالات التي لم يلتزموا فيها بسداد الزيادة الإيجارية المقررة، أو في حالات أخرى ينطبق عليها القانون. هذه الأحكام أكدت على انتصار إرادة المشرّع في إعادة التوازن إلى العلاقة الإيجارية، ومنحت الملاك أداة قانونية فعالة لاستعادة ممتلكاتهم التي ظلت خارج سيطرتهم لعقود.
التأثير على الأطراف المعنية والمستقبل
كان لهذه التطورات تأثيرات متباينة. فمن ناحية، شعر ملاك العقارات بالإنصاف وبدأوا في استعادة حقوقهم الاقتصادية في ممتلكاتهم، مما قد يشجع على إعادة استثمار العوائد في صيانة وتطوير هذه العقارات. من ناحية أخرى، وجد المستأجرون من أصحاب المحال التجارية والشركات الصغيرة أنفسهم في مواجهة واقع جديد صعب، حيث يضطرون إما لدفع إيجارات متزايدة أو البحث عن أماكن بديلة بأسعار السوق الحالية، وهو ما يمثل تحدياً اقتصادياً كبيراً للكثيرين منهم. أما بالنسبة للوحدات السكنية الخاضعة للإيجار القديم، فلا يزال وضعها معقداً ولم يشملها التعديل الأخير بشكل مباشر، لكن هذه الخطوة تعتبر تمهيداً للنظر في الملف السكني مستقبلاً، والذي يظل أكثر حساسية لارتباطه المباشر بحق المواطنين في المسكن.




