جدل الولاية الثالثة: هل يمكن لترامب الترشح مجدداً وما هي الموانع الدستورية؟
يثير الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من خلال تصريحاته المتكررة، جدلاً واسعاً حول إمكانية سعيه لولاية رئاسية ثالثة، وهو أمر يواجه عقبات دستورية صريحة. ورغم أن ترامب يخوض حالياً حملته الانتخابية لولاية ثانية غير متتالية في انتخابات 2024، إلا أن تلميحاته، سواء كانت على سبيل المزاح أو الجد، بشأن البقاء في السلطة لفترة أطول، تظل محور نقاش سياسي وقانوني في الولايات المتحدة.

التعديل الثاني والعشرون: الحاجز الدستوري الصريح
يكمن العائق الأساسي أمام أي طموح لولاية ثالثة في التعديل الثاني والعشرين للدستور الأمريكي، الذي تم التصديق عليه في عام 1951. ينص هذا التعديل بوضوح على أنه "لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين". تم إقرار هذا التعديل كرد فعل مباشر على فوز الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت بأربع ولايات رئاسية متتالية، بهدف وضع حد لفترات الرئاسة ومنع تركّز السلطة في يد شخص واحد لفترة طويلة.
يؤكد الخبراء القانونيون أن نص التعديل لا يترك مجالاً للتأويل؛ فالحد الأقصى هو ولايتان، سواء كانتا متتاليتين أم لا. وهذا يعني أنه حتى لو فاز ترامب في انتخابات 2024 وأكمل ولايته الثانية، فإنه لن يكون مؤهلاً دستورياً للترشح مرة أخرى في المستقبل.
تصريحات ترامب وسيناريوهات غير واقعية
خلال فترة رئاسته وبعدها، لم يتردد ترامب في إطلاق تلميحات حول تجاوز حد الولايتين. ففي تجمعاته الانتخابية، كان يخاطب أنصاره بعبارات مثل "قد نضطر لخوض ولاية ثالثة" أو "نحن نستحقها"، وهي تصريحات عادة ما تُقابل بحماس من قبل مؤيديه. وبينما يعتبرها الكثيرون مجرد استعراض خطابي يهدف إلى إثارة الجدل وتحدي المؤسسة السياسية، يرى آخرون فيها دليلاً على عدم احترامه للأعراف الدستورية.
وقد انتشرت بين بعض دوائر أنصاره نظريات وسيناريوهات افتراضية لتجاوز هذا القيد، إلا أنها تفتقر إلى أي أساس قانوني. من بين هذه الأفكار:
- الاعتقاد الخاطئ بأن التعديل الدستوري ينطبق فقط على الولايات المتتالية، وهو ما يتعارض مع نصه الصريح.
- طرح فكرة ترشحه لمنصب نائب الرئيس في انتخابات مستقبلية، على أمل أن يتولى الرئاسة في حال استقالة الرئيس أو عزله، وهو سيناريو معقد ومحل خلاف قانوني واسع.
- الترويج لفكرة أن ولايته الأولى "سُرقت" أو "عُرقلت"، مما يمنحه الحق في فترة إضافية، وهي حجة سياسية لا قيمة دستورية لها.
السوابق التاريخية والإجماع القانوني
غالباً ما يُستشهد بحالة الرئيس جروفر كليفلاند كسابقة تاريخية ذات صلة. فقد شغل كليفلاند منصب الرئيس لفترتين غير متتاليتين، حيث كان الرئيس الثاني والعشرين والرابع والعشرين للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذه الحالة تدعم فقط شرعية ترشح ترامب لولاية ثانية غير متتالية، ولكنها لا تقدم أي أساس لولاية ثالثة، حيث أن كليفلاند نفسه خدم ولايتين فقط في المجموع. جاء التعديل الثاني والعشرون بعد عقود من رئاسة كليفلاند ليضع حداً نهائياً لعدد الولايات.
يوجد إجماع شبه كامل بين الفقهاء الدستوريين والخبراء القانونيين على أن التعديل الثاني والعشرين يمثل حاجزاً مطلقاً أمام أي رئيس يسعى لولاية ثالثة. وتعتبر أي محاولة لتحدي هذا القيد الدستوري أمراً غير وارد ومن شأنه أن يثير أزمة دستورية غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
الأهمية السياسية للجدل المستمر
على الرغم من أن إمكانية ترشح ترامب لولاية ثالثة هي فرضية مستحيلة من الناحية الدستورية، فإن استمرار هذا الجدل يحمل دلالات سياسية هامة. فمن ناحية، يستخدم ترامب هذه الفكرة كأداة لتعزيز صورته كقائد استثنائي يتجاوز القواعد التقليدية، مما يلهب حماس قاعدته الانتخابية التي ترى في المؤسسة السياسية عدواً لها.
ومن ناحية أخرى، يرى منتقدو ترامب في هذه التلميحات تأكيداً لمخاوفهم بشأن ميوله الاستبدادية وتقويضه المتعمد للأعراف الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة. وفي المحصلة، يظل الحديث عن "ولاية ثالثة" جزءاً من المشهد السياسي الأمريكي الحالي، ليس كاحتمال واقعي، بل كرمز للانقسام العميق حول مستقبل الديمقراطية وقواعدها في الولايات المتحدة.





