جدل حول الآثار الفرعونية ينتهي بتوقيف الداعية مصطفى العدوي في مصر
في تطور أثار اهتماماً واسعاً على الساحتين الدينية والاجتماعية في مصر، أوقفت الأجهزة الأمنية المصرية الداعية السلفي المعروف الشيخ مصطفى العدوي، في أواخر شهر أكتوبر 2024، وذلك بعد أيام قليلة من نشره مقطع فيديو تضمن فتوى مثيرة للجدل حول الآثار المصرية القديمة. جاء التوقيف في منزله بمحافظة الدقهلية، ليفتح الباب أمام نقاشات واسعة حول حدود حرية التعبير الديني وعلاقته بالهوية الوطنية والتراث التاريخي الذي تتبناه الدولة المصرية بشكل رسمي.

خلفية الأحداث والتصريحات المثيرة للجدل
بدأت القصة عندما نشر الشيخ مصطفى العدوي، الذي يحظى بمتابعة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو وجه فيه انتقادات حادة للطريقة التي يتم بها التعامل مع التراث الفرعوني في مصر. اعتبر العدوي في فتواه أن التماثيل والآثار الموجودة في المتاحف، وتحديداً المتحف المصري الكبير، هي بمثابة "أصنام" يجب "التبرؤ منها". كما دعا إلى "التبرؤ من فرعون"، معتبراً أن تمجيد هذه الحقبة التاريخية يتعارض مع التعاليم الإسلامية التي تدعو إلى التوحيد ونبذ الشرك ورموزه.
أثارت هذه التصريحات ردود فعل فورية ومتباينة. فبينما رأى فيها بعض أتباعه دفاعاً عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، اعتبرها قطاع واسع من المصريين هجوماً على تاريخ البلاد ورموزها الوطنية. كما نظر إليها البعض على أنها محاولة لفرض رؤية دينية متشددة على الفضاء العام وتقويض للجهود الحكومية الرامية إلى تعزيز السياحة والترويج للحضارة المصرية القديمة كجزء أساسي من الهوية الوطنية المعاصرة.
تفاصيل عملية التوقيف والسياق العام
بناءً على حالة الجدل التي أحدثتها الفتوى، تحركت السلطات المصرية بسرعة. ففي الساعات الأولى من صباح أحد الأيام في نهاية أكتوبر، داهمت قوة أمنية منزل الشيخ العدوي في قريته بمنية سمنود بمحافظة الدقهلية وقامت بتوقيفه. ورغم عدم صدور بيان رسمي فوري يوضح التهم الموجهة إليه، أشارت مصادر إعلامية إلى أن التحقيقات قد تتمحور حول تهم تتعلق بازدراء الحضارة المصرية، ونشر أفكار من شأنها تكدير السلم العام، وإصدار فتاوى دون ترخيص من الجهات الدينية الرسمية كالأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف.
يأتي هذا التوقيف في سياق سياسة عامة تتبعها الدولة المصرية لضبط الخطاب الديني ومكافحة ما تعتبره فتاوى متطرفة. وكانت وزارة الأوقاف قد شددت مراراً على أن إصدار الفتاوى العامة مقصور على الهيئات المعتمدة، محذرةً من خطورة الفتاوى التي يصدرها غير المتخصصين عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، والتي قد تسبب انقساماً في المجتمع.
الأبعاد القانونية والاجتماعية للقضية
تفتح قضية الشيخ العدوي نقاشاً أعمق حول عدة أبعاد، منها ما هو قانوني ومنها ما هو اجتماعي وثقافي. من الناحية القانونية، قد يواجه العدوي اتهامات بموجب قوانين العقوبات المصرية التي تجرم إثارة الفتنة أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو ازدراء الأديان، وهو مصطلح فضفاض يمكن تفسيره ليشمل الحضارات التاريخية التي تحمل طابعاً دينياً.
أما من الناحية الاجتماعية، فتعكس الواقعة حالة من الاستقطاب الفكري في المجتمع المصري بين تيارين رئيسيين:
- تيار يرى في التراث الفرعوني مكوناً أصيلاً للهوية المصرية الحديثة ومصدراً للفخر الوطني وجذباً للسياحة، ويعتبر أن أي مساس به هو مساس بالدولة نفسها.
- تيار آخر، ذو مرجعية دينية محافظة، ينظر إلى هذا التراث من منظور عقائدي بحت، ويرى في بعض رموزه ما يتعارض مع مبدأ التوحيد الإسلامي.
تُعد هذه القضية تذكيراً بالتوتر المستمر بين الهوية الدينية والهوية الوطنية في مصر، وكيفية إدارة الدولة لهذا التوتر عبر الأدوات القانونية والأمنية. يبقى مصير الشيخ مصطفى العدوي معلقاً بالتحقيقات الجارية، لكن قضيته أصبحت بالفعل رمزاً للنقاش الدائر حول مكانة التراث القديم في الوعي الجمعي المصري المعاصر.





