حماس تؤكد أن الإعدامات في غزة تمت وفق الإجراءات القانونية
تُعَدّ الإعدامات التي تُنفذها السلطات الفعلية في قطاع غزة، ممثلة بحركة حماس، من القضايا بالغة الحساسية التي تثير جدلاً واسعاً على الصعيدين المحلي والدولي. وفي سياق متصل، أكدت مصادر داخل حركة حماس مؤخراً أن عمليات الإعدام التي جرت في القطاع تمت بالكامل "وفقاً للإجراءات القانونية المعمول بها" وذلك لضمان سيادة القانون وحفظ الأمن الداخلي في غزة. يأتي هذا التأكيد في ظل اتهامات متكررة من منظمات حقوق الإنسان الدولية بعدم مراعاة معايير المحاكمة العادلة.

سياق الأحداث والخلفية التاريخية
منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، أقامت حركة حماس هيكلاً إدارياً وأمنياً خاصاً بها، يتضمن قوات الشرطة والأجهزة الأمنية ونظاماً قضائياً يتكون من محاكم عسكرية ومدنية، بالإضافة إلى النيابة العامة. ومع أن القطاع يخضع اسمياً لقانون السلطة الفلسطينية الذي يعود جذوره إلى القانون المصري والانتداب البريطاني، إلا أن حماس تطبق تفسيراتها الخاصة للقانون، لا سيما في قضايا الأمن القومي و"العمالة".
لطالما كانت عقوبة الإعدام موضوع نقاش حاد داخل الأراضي الفلسطينية. ورغم أن قانون العقوبات رقم 7 لسنة 1960، المطبق في غزة، يتضمن عقوبة الإعدام لجرائم معينة مثل الخيانة والتجسس والقتل العمد، إلا أن تنفيذها يتطلب مصادقة رئيس السلطة الفلسطينية. لكن في ظل الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وغزة، تتجاوز حماس هذا الشرط، وتنفذ أحكام الإعدام استناداً إلى صلاحياتها كسلطة أمر واقع.
سبق لحماس أن نفذت إعدامات جماعية، كان أبرزها خلال عدوان 2014 على غزة، حيث أُعدم عدد من الأشخاص بتهمة التعاون مع إسرائيل، دون محاكمات علنية في كثير من الأحيان، مما أثار موجة استنكار دولية واسعة. وتؤكد الحركة أن هذه الإجراءات ضرورية للحفاظ على الجبهة الداخلية وحماية أمن المقاومة في ظل ظروف الصراع المستمر.
تفاصيل الإعدامات الأخيرة وتأكيدات حماس
في أوائل سبتمبر 2024، نفذت السلطات التابعة لحركة حماس في قطاع غزة أحكام إعدام بحق خمسة أفراد، صدرت ضدهم أحكام نهائية من المحاكم المختصة في القطاع. وذكر بيان صادر عن النيابة العامة في غزة أن اثنين من المدانين أُعدما بتهمة "التخابر مع جهات أجنبية معادية"، بينما أُعدم الثلاثة الآخرون في قضايا "قتل مع سبق الإصرار والترصد".
أوضح مصدر رفيع في حركة حماس، فضل عدم الكشف عن اسمه، لوكالات الأنباء أن جميع الإجراءات القانونية تم استيفاؤها قبل تنفيذ الأحكام. وأشار المصدر إلى أن المدانين مروا بمراحل تقاضي كاملة، شملت المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، وصولاً إلى محكمة النقض، وهي أعلى هيئة قضائية في غزة. كما أكد أن النيابة العامة أشرفت على التحقيقات وأن الدفاع عن المتهمين كان مكفولاً بموجب القانون.
تصر حماس على أن هذه الإعدامات ليست انتقامية بل هي تطبيق صارم للقانون المحلي، وأنها تهدف إلى ردع الجريمة وحماية المجتمع من التجسس الذي تعتبره تهديداً وجودياً لأمن القطاع المحاصر. وبحسب تصريحات أخرى، فإن الإجراءات تضمنت أيضاً موافقات من الهيئات القضائية المختصة بعد استنفاد جميع سبل الطعن والاستئناف.
ردود الفعل الدولية والحقوقية
عادة ما تثير عمليات الإعدام في غزة ردود فعل دولية ومحلية قوية. ففور الإعلان عن الإعدامات الأخيرة، سارعت منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى إدانة هذه الممارسات بشدة. وقد دعت هذه المنظمات مراراً السلطات في غزة إلى الوقف الفوري لعقوبة الإعدام والالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة.
تؤكد المنظمات الحقوقية أن الإجراءات القضائية في غزة، وخاصة تلك المتعلقة بقضايا الأمن، غالباً ما تفتقر إلى الشفافية والضمانات الكافية للمتهمين. وتشير إلى أن الظروف السياسية والأمنية المعقدة في القطاع لا ينبغي أن تكون مبرراً لتجاوز الحقوق الأساسية للإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والحق في محاكمة عادلة وعلنية. كما أن الأمم المتحدة غالباً ما تندد بتطبيق عقوبة الإعدام بشكل عام، وتدعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن استخدامها.
أهمية الخبر وتداعياته المحتملة
يحمل تأكيد حماس على قانونية الإعدامات في غزة أهمية بالغة لعدة أسباب. أولاً، يسلط الضوء على استمرار الانقسام القضائي والسياسي العميق داخل الأراضي الفلسطينية، حيث تعمل السلطات في غزة بمعزل عن السلطة الفلسطينية في رام الله فيما يتعلق بتطبيق القانون وتنفيذ الأحكام القضائية الكبرى.
ثانياً، يعكس هذا الخبر إصرار حماس على ممارسة سيادتها كقوة حاكمة في القطاع، وتطبيق رؤيتها الخاصة للعدالة، حتى لو تعارض ذلك مع الضغوط والمطالبات الدولية. هذا يساهم في تعزيز عزلة حماس الدولية ويصعب من جهود أي مصالحة فلسطينية محتملة.
ثالثاً، تثير هذه الإعدامات أسئلة جدية حول مستقبل حقوق الإنسان في غزة، ومدى قدرة المنظمات المحلية والدولية على الرقابة والتدخل لحماية الأفراد. إن الرسالة التي تبعثها هذه الإجراءات قد تؤثر على مناخ الحريات العامة والتعبير داخل القطاع.
وفي الختام، يظل الجدل حول شرعية هذه الإعدامات قائماً، حيث تتشبث حماس بموقفها القائم على تطبيق القانون، بينما تواصل الهيئات الدولية والحقوقية التنديد بهذه الممارسات، مؤكدة على ضرورة احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والعدالة.




