خطة السلام الأمريكية في عهد ترامب: تحليل المكاسب والتداعيات
في 28 يناير 2020، كشفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن خطتها للسلام في الشرق الأوسط، والتي عُرفت إعلاميًا باسم «صفقة القرن». جاءت هذه الخطة بعد سنوات من الإعداد بقيادة جاريد كوشنر، مستشار الرئيس وصهره، بهدف تقديم رؤية جديدة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تختلف جذريًا عن المبادرات السابقة التي استندت إلى قرارات الأمم المتحدة ومبدأ حل الدولتين على حدود عام 1967.

خلفية الخطة وسياقها
تم تسويق الخطة على أنها نهج واقعي يراعي الحقائق على الأرض، خاصة فيما يتعلق بالوجود الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية. سبَق الكشف عن الشق السياسي من الخطة مؤتمر اقتصادي في البحرين في يونيو 2019، حيث عُرض الشق الاقتصادي منها تحت عنوان «السلام من أجل الازدهار». وتضمن هذا الشق وعودًا باستثمارات بقيمة 50 مليار دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني واقتصادات دول الجوار على مدى عشر سنوات، شريطة قبول الفلسطينيين بالإطار السياسي للخطة.
أبرز بنود الرؤية الأمريكية
تضمنت الخطة مقترحات أثارت جدلاً واسعًا، حيث ابتعدت عن المرجعيات التقليدية لعملية السلام. ويمكن تلخيص أبرز بنودها في النقاط التالية:
- الدولة الفلسطينية: اقترحت الخطة إقامة دولة فلسطينية «منزوعة السلاح» على أراضٍ غير متصلة جغرافيًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، تربط بينها جسور وأنفاق وطرق سريعة. واشترطت للاعتراف بهذه الدولة استيفاء الفلسطينيين لشروط صارمة تتعلق بالأمن ونزع سلاح الفصائل ومكافحة الإرهاب.
- القدس: نصت الخطة على الاعتراف بالقدس «عاصمة غير مقسمة» لإسرائيل، مع إمكانية إقامة عاصمة للدولة الفلسطينية في أجزاء من القدس الشرقية تقع خارج الجدار الفاصل، مثل أبو ديس.
- المستوطنات والحدود: منحت الخطة إسرائيل الحق في ضم جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بالإضافة إلى منطقة غور الأردن الاستراتيجية، وهو ما يمثل حوالي 30% من مساحة الضفة.
- اللاجئون: استبعدت الخطة بشكل قاطع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم داخل إسرائيل، واقترحت توطينهم في الدولة الفلسطينية المستقبلية أو في الدول المضيفة أو دول ثالثة.
ردود الفعل والتداعيات الإقليمية
قوبلت الخطة بردود فعل متباينة بشكل حاد. من جهته، رحب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آنذاك واعتبرها انتصارًا تاريخيًا، معلنًا عن نيته البدء فورًا في إجراءات الضم. في المقابل، رفضتها القيادة الفلسطينية بشكل كامل، حيث وصفها الرئيس محمود عباس بأنها «صفعة القرن»، وأعلن عن قطع كافة العلاقات، بما فيها الأمنية، مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
على الصعيد العربي، كان الموقف منقسمًا. بينما أعلنت دول مثل الأردن ومصر رفضها لأي إجراءات أحادية تخالف القانون الدولي، أبدت دول خليجية أخرى، مثل الإمارات والبحرين، مرونة أكبر وأرسلت سفراءها لحضور حفل إعلان الخطة في واشنطن. أما دوليًا، فقد انتقد الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الخطة لكونها لا تتماشى مع المعايير المتفق عليها دوليًا لحل الصراع.
الأثر النهائي ومآلات الخطة
على الرغم من أنها لم تُشكل أساسًا لأي مفاوضات، إلا أن خطة ترامب أحدثت تغييرًا ملموسًا في الديناميكيات الإقليمية. فبعد تعثر خطط الضم الإسرائيلية بسبب المعارضة الدولية، تحول المسار نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. ففي أغسطس 2020، تم الإعلان عن «اتفاقيات أبراهام» التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، مقابل تعليق إسرائيل لخطط الضم. وانضمت لاحقًا كل من السودان والمغرب إلى هذه الاتفاقيات، مما أعاد تشكيل التحالفات في المنطقة وركز الاهتمام على مواجهة التهديدات المشتركة بدلاً من القضية الفلسطينية كأولوية مركزية.





