دعوة أممية لـ"اليويفا": استبعاد إسرائيل ضروري دون انتظار حل سلمي
في أواخر شهر مايو 2024، دعت ألكسندرا زانتاكي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحقوق الثقافية، بشكل صريح ومباشر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) إلى تعليق عضوية إسرائيل من كافة المنافسات الرياضية الدولية. جاءت هذه الدعوة الملحة في سياق تقارير وتحقيقات أممية تشير إلى ارتكاب إسرائيل لجرائم خطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشددت زانتاكي على ضرورة اتخاذ هذا الإجراء دون انتظار التوصل إلى أي خطة سلام سياسية، مؤكدة أن الوقت قد حان لاتخاذ موقف حاسم بناءً على الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان.

خلفية الدعوة الأممية
تستند مطالبة المقررة الأممية إلى نتائج لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، والتي خلصت مؤخرًا إلى أن إسرائيل قد تكون ارتكبت جريمة «إبادة جماعية» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في قطاع غزة. هذه اللجنة، التي تتمتع بولاية واسعة للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة وإسرائيل، قدمت تقارير مفصلة تدين فيها الأفعال الإسرائيلية. دور ألكسندرا زانتاكي كمقررة خاصة للحقوق الثقافية يمنح دعوتها وزنًا خاصًا، حيث تعتبر الرياضة جزءًا لا يتجزأ من الحقوق الثقافية للشعوب، وعليه فإن مشاركة الدول في الأنشطة الرياضية الدولية يجب أن تتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.
تاريخيًا، تُعرف المقررة الخاصة زانتاكي بجهودها في الدفاع عن الحقوق الثقافية كمكون أساسي للكرامة الإنسانية، بما في ذلك الوصول إلى الفعاليات الرياضية والمشاركة فيها. ووفقًا لمنظورها، فإن استمرار مشاركة الدول المتهمة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في المنصات الثقافية والرياضية الدولية يتعارض مع القيم التي يفترض أن تمثلها هذه الفعاليات.
تداعيات تاريخية وسوابق رياضية
ليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها كيان رياضي دولي دعوات لاستبعاد دولة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان أو أفعال عسكرية. أبرز سابقة تاريخية هي استبعاد جنوب أفريقيا من الأولمبياد والعديد من الاتحادات الرياضية الدولية لعقود بسبب سياسة الفصل العنصري (الأبارتايد) التي كانت تنتهجها. كما شهدت الفترة الأخيرة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، قرارات سريعة من اليويفا والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بتعليق مشاركة الأندية والمنتخبات الروسية في جميع مسابقاتهم، مما يوفر سابقة قوية لاستجابة الهيئات الرياضية للضغوط السياسية والأخلاقية العالمية.
مشاركة إسرائيل في اليويفا نفسها لها خلفية معقدة؛ فقد كانت في الأصل عضوًا في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم (AFC)، لكنها واجهت مقاطعة مستمرة من قبل العديد من الدول العربية والإسلامية. وفي عام 1994، أصبحت إسرائيل عضوًا كاملاً في اليويفا، مما سمح لأنديتها ومنتخباتها بالمشاركة في المسابقات الأوروبية.
لماذا تكتسب هذه الدعوة أهمية؟
تكتسب دعوة ألكسندرا زانتاكي أهمية بالغة لعدة أسباب:
- الأساس القانوني والأخلاقي: تستند الدعوة إلى تقارير وتحقيقات أممية تتحدث عن احتمال ارتكاب «إبادة جماعية»، وهو ما يضع ضغطًا أخلاقيًا وقانونيًا كبيرًا على اليويفا.
- فصل القرار عن الحل السياسي: تأكيد زانتاكي على ضرورة الاستبعاد «دون انتظار خطة سلام» يشير إلى أن القضية تتجاوز النزاعات السياسية التقليدية وتتعلق بانتهاكات مزعومة تتطلب استجابة فورية ومستقلة.
- تأثير على صورة الرياضة: تواجه الهيئات الرياضية مثل اليويفا تحديًا في الحفاظ على صورة الرياضة ككيان محايد وموحد، وفي الوقت نفسه، تجنب اتهامات التواطؤ أو التجاهل للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
- تنامي الضغط الدولي: تضاف هذه الدعوة إلى سلسلة متزايدة من النداءات والمقاطعات الثقافية والأكاديمية والرياضية التي تواجهها إسرائيل، مما يزيد من عزلتها الدولية في مختلف المجالات.
الردود المتوقعة والتحديات أمام اليويفا
من المتوقع أن تواجه هذه الدعوة ردود فعل متباينة. فمن جانب، ستلقى ترحيبًا واسعًا من قبل النشطاء الحقوقيين والعديد من المنظمات الدولية التي تدعو إلى محاسبة إسرائيل. ومن جانب آخر، من المرجح أن تدين إسرائيل هذه الدعوة بشدة، واصفة إياها بأنها ذات دوافع سياسية ومعادية للسامية، ومؤكدة على حقها في الدفاع عن النفس.
أما اليويفا، فستجد نفسها أمام معضلة حقيقية. ففي الوقت الذي تدعو فيه لوائحها إلى الفصل بين السياسة والرياضة، إلا أنها أثبتت استعدادها لاتخاذ قرارات سياسية في الماضي عندما تتجاوز الأحداث الخطوط الحمراء، كما حدث مع روسيا. سيكون على الاتحاد تقييم مدى خطورة الاتهامات الموجهة لإسرائيل من قبل هيئة أممية مستقلة، وموازنة ذلك مع الضغوط السياسية المحتملة من الدول الأعضاء ذات النفوذ. إن أي قرار يتخذه اليويفا في هذا الشأن سيكون له تداعيات بعيدة المدى على مكانة المنظمة ومستقبل كرة القدم الدولية.
في الختام، تمثل دعوة المقررة الأممية ألكسندرا زانتاكي نقطة تحول محتملة في النقاش الدائر حول مسؤولية الهيئات الرياضية الدولية تجاه قضايا حقوق الإنسان والصراعات السياسية، وتضع اليويفا أمام اختبار حاسم لتحديد أولوياتها ومبادئها في وجه اتهامات دولية خطيرة.





