دور تركي في جهود استعادة رفات المحتجزين الإسرائيليين بغزة
في تطور دبلوماسي لافت، قدمت تركيا مبادرة للوساطة في واحدة من أكثر القضايا حساسية في الصراع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس، حيث عرضت المساعدة في البحث عن رفات المحتجزين الإسرائيليين الذين يُعتقد أنهم لقوا حتفهم في قطاع غزة. جاء هذا العرض في منتصف مايو 2024، في محاولة من أنقرة للعب دور بنّاء في الأزمة الإنسانية المستمرة، مستفيدة من قنوات اتصالها المفتوحة مع قيادة حماس.

التفاصيل الرئيسية للمبادرة التركية
تم تقديم المقترح التركي خلال اجتماع عُقد في العاصمة القطرية الدوحة، وجمع رئيس جهاز المخابرات الوطني التركي (MİT)، إبراهيم كالين، مع قادة بارزين في حركة حماس، من بينهم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية. تضمنت المبادرة اقتراحاً محدداً يقضي بالسماح لوفد تركي متخصص بدخول قطاع غزة لتحديد أماكن جثامين المحتجزين والعمل على استعادتها.
صاغت تركيا عرضها كـ"بادرة إنسانية" بحتة، تهدف إلى تخفيف معاناة عائلات المحتجزين وتمكينها من دفن ذويها وفقاً للتعاليم الدينية. وتأمل أنقرة أن تساهم هذه الخطوة، في حال نجاحها، في بناء قدر ضئيل من الثقة قد يمهد الطريق أمام مفاوضات أوسع نطاقاً لإنهاء الصراع.
موقف الأطراف المعنية
لم تقدم حركة حماس رداً نهائياً على المبادرة التركية، سواء بالقبول أو الرفض. وبحسب التقارير، ربطت قيادة الحركة مناقشة أي مقترحات جزئية، حتى لو كانت إنسانية، بمطالبها الأساسية التي تشمل وقفاً شاملاً ودائماً لإطلاق النار وانسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية من جميع أنحاء قطاع غزة. يعكس هذا الموقف استراتيجية حماس في التعامل مع ملف المحتجزين كورقة أساسية في المفاوضات الشاملة.
من الجانب الإسرائيلي، لم يصدر تعليق رسمي على العرض التركي تحديداً. ومع ذلك، تشكل قضية المحتجزين، الأحياء منهم والأموات، أولوية قصوى للحكومة الإسرائيلية والمجتمع على حد سواء. وتواجه الحكومة ضغوطاً داخلية هائلة من عائلات المحتجزين التي تطالب باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لاستعادتهم. وتأتي المبادرة التركية في وقت كانت فيه القوات الإسرائيلية قد أعلنت عن تمكنها من استعادة رفات عدد من المحتجزين خلال عملياتها العسكرية في غزة.
السياق والخلفية
تأتي هذه المبادرة في سياق علاقات متوترة للغاية بين تركيا وإسرائيل منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من حرب إسرائيلية على غزة. وقد وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقادات حادة وغير مسبوقة لإسرائيل، وصلت إلى حد قطع العلاقات التجارية. على الرغم من هذا التوتر السياسي، حافظت تركيا على قنوات اتصالها مع حركة حماس، التي لا تصنفها كمنظمة إرهابية، مما يمنحها موقعاً فريداً كوسيط محتمل.
تستضيف تركيا بعض قادة حماس وتعتبر نفسها لاعباً إقليمياً قادراً على التحدث مع جميع الأطراف. ويُنظر إلى هذا العرض على أنه محاولة من أنقرة لإعادة تأكيد نفوذها الدبلوماسي في المنطقة، وإظهار قدرتها على المساهمة في حلحلة الجوانب الإنسانية المعقدة للأزمة، حتى في ظل الخلافات السياسية العميقة.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكمن أهمية هذه الخطوة في أنها قد تمثل، في حال قبولها، أول تدخل مباشر ومنسق لطرف ثالث على الأرض في غزة في ما يتعلق بملف المحتجزين. نجاح مثل هذه المهمة قد يفتح الباب أمام أدوار وساطة أوسع لتركيا أو لجهات دولية أخرى في المستقبل. ومع ذلك، تواجه المبادرة عقبات كبيرة، أبرزها:
- الموافقة الإسرائيلية: يتطلب دخول أي فريق تركي إلى غزة تنسيقاً وموافقة من الجانب الإسرائيلي الذي يسيطر على معابر القطاع ويفرض حصاراً عليه.
 - المخاطر الأمنية: العمل في منطقة حرب نشطة يشكل خطراً كبيراً على أي فريق ميداني.
 - الارتباط بالمفاوضات: يبقى التحدي الأكبر هو فصل هذه القضية الإنسانية عن المفاوضات السياسية والعسكرية الأوسع التي لا تزال متعثرة.
 
في الختام، يبقى المقترح التركي معلقاً بانتظار ردود الأطراف المعنية وتطورات المشهد الميداني والسياسي. وبينما يمثل العرض بصيص أمل لعائلات المحتجزين، فإنه يسلط الضوء أيضاً على مدى تعقيد وتشابك الأبعاد الإنسانية والسياسية في هذا الصراع الطويل.




