رفضاً لـ "الحكم الملكي": مظاهرات حاشدة ضد ترامب تعكس تمسك الأمريكيين بالديمقراطية
في فبراير 2017، بعد أسابيع قليلة من تولي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منصبه، شهدت المدن الأمريكية الكبرى موجة من الاحتجاجات المنظمة التي حملت طابعاً رمزياً عميقاً. تحت شعارات مثل "ليس يوم رؤسائي" (Not My Presidents' Day)، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين للتعبير عن معارضتهم لسياسات الإدارة الجديدة، لكن الأهم من ذلك، كان التعبير عن قلقهم من نهج اعتبروه تهديداً للأسس الديمقراطية التي قامت عليها الولايات المتحدة، ورفضاً لأي ممارسة للسلطة تشبه "الحكم الملكي المطلق".

خلفية الاحتجاجات والسياق السياسي
جاءت هذه المظاهرات في خضم فترة سياسية مشحونة للغاية. فقد أثارت القرارات الأولى للرئيس ترامب، وعلى رأسها الأمر التنفيذي المثير للجدل الذي حظر دخول مواطني عدة دول ذات أغلبية مسلمة، ردود فعل غاضبة على نطاق واسع. سبقت هذه الاحتجاجات "المسيرة النسائية" الضخمة التي جرت في يناير من العام نفسه، مما أشار إلى وجود حراك شعبي معارض ومنظم ومستعد للنزول إلى الشارع. تم اختيار "يوم الرؤساء"، وهو عطلة فيدرالية لتكريم رؤساء الولايات المتحدة، عمداً لتنظيم هذه الفعاليات، مما أضفى على الاحتجاجات طابعاً رمزياً، حيث استغل المنظمون المناسبة لانتقاد الرئيس الحالي بدلاً من تكريم إرث المنصب.
أبرز أحداث المظاهرات ومطالبها
انتشرت الاحتجاجات في مدن رئيسية من الساحل إلى الساحل، بما في ذلك نيويورك، ولوس أنجلوس، وشيكاغو، وأتلانتا. وعلى الرغم من تنوع المشاركين وانتماءاتهم، توحدت أصواتهم حول مجموعة من المطالب والقضايا الجوهرية، كان أبرزها:
- الدفاع عن المبادئ الديمقراطية والفصل بين السلطات، والتأكيد على أن الرئيس ليس فوق القانون.
- معارضة سياسات الهجرة التي اعتبروها تمييزية وغير إنسانية، خاصة حظر السفر.
- المطالبة بالشفافية، بما في ذلك دعوة الرئيس ترامب للكشف عن إقراراته الضريبية.
- حماية حقوق الأقليات، والمهاجرين، والمجتمعات التي شعرت بالتهديد من خطاب الإدارة الجديدة.
- التعبير عن القلق بشأن علاقة الرئيس بوسائل الإعلام، التي وصفها في كثير من الأحيان بـ"عدو الشعب".
دلالة شعار "لا ملوك في أمريكا"
يعتبر رفض فكرة الحكم الملكي جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية الأمريكية. فقد تأسست الولايات المتحدة على أنقاض ثورة ضد التاج البريطاني، وتم تصميم دستورها بعناية لمنع تركيز السلطة في يد شخص واحد. عندما استخدم المتظاهرون لغة مناهضة للملكية، كانوا يستدعون هذا الإرث التاريخي لتأطير انتقاداتهم لترامب. لقد رأوا في أسلوبه، الذي تضمن إصدار أوامر تنفيذية واسعة، وتحدي القضاء، ومهاجمة المؤسسات الديمقراطية، ميلاً نحو السلطوية يتعارض مع جوهر الجمهورية الأمريكية. لم يكن الشعار موجهاً ضد الملكية كنظام حكم قائم، بل كان استعارة قوية للتأكيد على أن الرئيس هو موظف عام منتخب، وليس حاكماً بأمر مطلق يمتلك صلاحيات غير محدودة.
التأثير وردود الفعل
على الرغم من أن إدارة ترامب غالباً ما قللت من شأن هذه الاحتجاجات واعتبرتها من فعل خصومه السياسيين، إلا أنها لعبت دوراً محورياً في تنشيط المعارضة السياسية والشعبية. ساهمت هذه المظاهرات، وغيرها من التحركات الشعبية، في تعزيز منظمات المجتمع المدني والحركات الشعبية التي بقيت نشطة طوال فترة رئاسته. كما أنها أبرزت الانقسام العميق في المجتمع الأمريكي حول مفهوم السلطة الرئاسية وحدودها، وأكدت على أن قطاعاً كبيراً من الأمريكيين يظل متمسكاً بالمبادئ التأسيسية للبلاد كضمانة أساسية ضد أي انحراف نحو الحكم الفردي.





