غالانت يحدد ملامح الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية لمرحلة ما بعد الحرب في غزة
في ظل استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة وتزايد الضغوط الدولية والمحلية لبلورة رؤية واضحة لمستقبل القطاع، عرض وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في تصريحات وبيانات متعددة خلال الأشهر الأخيرة، الخطوط العريضة لخطته الأمنية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب. ترتكز هذه الخطة على معادلة تهدف إلى إزالة حكم حركة حماس بالكامل مع تجنب تحمل إسرائيل لمسؤولية الحكم المدني المباشر في القطاع.

المبادئ الأساسية للخطة المقترحة
تستند رؤية غالانت، التي تمثل موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى حد كبير، على عدة محاور أساسية تم تصميمها لضمان أمن إسرائيل على المدى الطويل ومنع تكرار هجمات مشابهة لهجوم 7 أكتوبر 2023. ويمكن تلخيص هذه المبادئ في النقاط التالية:
- السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة: تنص الخطة على احتفاظ الجيش الإسرائيلي بحرية مطلقة في تنفيذ عمليات عسكرية داخل قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًا، وذلك لمواجهة أي تهديدات أمنية قد تظهر مجددًا.
 - غياب الحكم المدني الإسرائيلي: تؤكد الخطة بشكل واضح على أن إسرائيل لن تدير الشؤون المدنية اليومية في غزة ولن تعيد إنشاء المستوطنات التي تم إخلاؤها في عام 2005.
 - إدارة فلسطينية محلية: تقترح الخطة أن تتولى هيئات فلسطينية محلية غير معادية لإسرائيل إدارة الشؤون المدنية والحياة اليومية للسكان. لم يتم تحديد طبيعة هذه الهيئات بشكل دقيق، ولكن تم استبعاد حركة حماس والسلطة الفلسطينية بشكلها الحالي.
 - دور دولي في الإعمار: تتصور الخطة قيام تحالف دولي، تقوده الولايات المتحدة وبمشاركة دول أوروبية وعربية، بالإشراف على عملية إعادة إعمار غزة وإدارة المساعدات الإنسانية لضمان عدم وصولها إلى حماس.
 - إنشاء منطقة أمنية عازلة: كشفت تقارير عن نية إسرائيل إقامة منطقة عازلة داخل حدود قطاع غزة على طول الحدود مع إسرائيل، بهدف منع المسلحين من الاقتراب من السياج الحدودي.
 
سياق الإعلان وأهميته
تأتي تصريحات غالانت في وقت حرج، حيث تواجه حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتهامات بعدم وجود استراتيجية واضحة لـ "اليوم التالي" للحرب. وقد أدت هذه الفجوة في التخطيط إلى خلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي وضغط متزايد من الإدارة الأمريكية التي تطالب برؤية سياسية تضمن الاستقرار وتمنع عودة الفوضى إلى غزة. يمثل طرح هذه الخطة محاولة من المؤسسة الدفاعية لملء هذا الفراغ وتقديم مسار عملي يمكن أن يحظى بدعم دولي، خاصة من الولايات المتحدة التي ترفض فكرة إعادة احتلال إسرائيل للقطاع.
انقسامات في المشهد السياسي الإسرائيلي
لا تحظى خطة غالانت بإجماع داخل الحكومة الإسرائيلية الائتلافية. فقد واجهت معارضة شديدة من قبل وزراء اليمين المتطرف، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذين يدعوان إلى حلول أكثر جذرية تشمل إعادة الاستيطان في غزة وتشجيع "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين. هذه المواقف المتطرفة تضع ضغطًا كبيرًا على نتنياهو، الذي يحاول الموازنة بين متطلبات الحفاظ على ائتلافه الحكومي والاستجابة لمطالب الجيش والضغوط الأمريكية. وقد أدت هذه الخلافات إلى توترات علنية بين غالانت ونتنياهو وأعضاء آخرين في الحكومة، مما يعكس الانقسام العميق حول مستقبل غزة.
الموقف الفلسطيني وردود الفعل الدولية
على الجانب الفلسطيني، قوبلت الخطة بالرفض القاطع من قبل مختلف الفصائل، بما في ذلك السلطة الفلسطينية. ترى السلطة أن أي ترتيبات أمنية لمستقبل غزة يجب أن تكون جزءًا من حل سياسي شامل يؤدي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. أما الولايات المتحدة، فبينما تتفق مع إسرائيل على ضرورة القضاء على حكم حماس ورفض إعادة احتلال غزة، فإنها تدفع باتجاه تسليم إدارة القطاع إلى سلطة فلسطينية "متجددة" كجزء من مسار يؤدي إلى حل الدولتين، وهو ما يتعارض مع مواقف أطراف مؤثرة في الحكومة الإسرائيلية الحالية. وبشكل عام، تظل الخطة مجرد رؤية مقدمة من وزير الدفاع، ويظل تنفيذها مرهونًا بتطورات الحرب المعقدة والتوازنات السياسية الداخلية في إسرائيل والديناميكيات الإقليمية والدولية.




