غزة: حملة أمنية واسعة ضد المتهمين بالتعاون مع الاحتلال
تتواصل في قطاع غزة عملية أمنية واسعة النطاق، تشنها قوة "رادع" التابعة للأجهزة الأمنية لحركة حماس، وتستهدف هذه الحملة، التي أفادت مصادر أمنية فلسطينية بتنفيذها في الآونة الأخيرة، الأفراد المشتبه في تورطهم بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي. ولا يقتصر نطاق العملية على المتعاونين المباشرين فحسب، بل يشمل أيضاً كل من يتستر عليهم أو يقدم لهم أي شكل من أشكال الدعم، مما يؤكد على الطابع الشامل للحملة التي تمتد لتشمل كافة مناطق القطاع. تأتي هذه الجهود الأمنية ضمن مساعي السلطات الحاكمة في غزة لتعزيز الأمن الداخلي والحفاظ على ما تصفه بـ"الجبهة الداخلية" في مواجهة التحديات الأمنية المستمرة.

تعتبر قضية التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي من أخطر التهم الموجهة في السياق الفلسطيني، حيث تُصنف كخيانة وطنية ولها تداعيات مجتمعية وأمنية عميقة. وعادة ما يتم التعامل معها بقدر كبير من الحساسية والصرامة نظراً لما يمكن أن تمثله من اختراق أمني خطير يهدد المقاومة الفلسطينية ويهدد أمن وسلامة السكان. وفي ظل الوضع الراهن الذي يشهده قطاع غزة، تبرز هذه الحملات الأمنية كجزء لا يتجزأ من استراتيجية الأجهزة الأمنية لمواجهة أي محاولات إسرائيلية لجمع المعلومات أو زرع الفتن داخل المجتمع الفلسطيني.
خلفية تاريخية وسياق العملية
لطالما شكلت قضية التجسس والتعاون مع إسرائيل تحدياً أمنياً كبيراً في الأراضي الفلسطينية. وتعود جذور هذا التحدي إلى عقود مضت، حيث سعت الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية باستمرار إلى تجنيد عملاء فلسطينيين للحصول على معلومات حول الفصائل الفلسطينية، التحركات الأمنية، وحتى تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين. في قطاع غزة، وبعد سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، تولت أجهزتها الأمنية مسؤولية حفظ الأمن والنظام، وتصاعدت جهودها لمكافحة ما تعتبره تهديدات لأمنها وسلطتها، ومن بينها ظاهرة التعاون.
لم تكن هذه العملية هي الأولى من نوعها، فقد نفذت السلطات الأمنية في غزة حملات سابقة ضد شبكات تجسس مزعومة، خاصة في أعقاب جولات التصعيد العسكرية أو في أوقات التوتر الأمني الشديد. هذه العمليات غالباً ما تكون مدفوعة بالحاجة إلى سد الثغرات الأمنية التي قد تستغلها إسرائيل لشن هجمات أو لجمع معلومات استخباراتية حاسمة. ويعتبر التستر على المتعاونين، كما ورد في تفاصيل الحملة الحالية، امتداداً لنفس التهمة، حيث ترى السلطات الأمنية أن توفير الملاذ أو التعتيم على أنشطة المتعاونين يساهم بشكل مباشر في دعم نشاطاتهم.
تتمتع قوة "رادع"، التي تشرف على هذه العملية، بسمعة كونها وحدة أمنية متخصصة ومكلفة بمهام حساسة تتعلق بالأمن الداخلي. وعادة ما تركز على القضايا الجنائية الكبرى والقضايا الأمنية المعقدة التي تتطلب قدراً عالياً من السرية والفعالية. هذا يفسر الدور المحوري الذي تلعبه في حملة بهذا الحجم والتعقيد.
تطورات الحملة والآليات المتبعة
تشير التقارير الواردة من غزة إلى أن الحملة الأمنية لا تزال في طور التنفيذ النشط، وتمتد لتشمل أحياء ومناطق مختلفة في القطاع. وتعتمد الأجهزة الأمنية على جمع المعلومات الاستخباراتية المسبقة، وعمليات المراقبة، ومن ثم تنفيذ مداهمات وتوقيفات تستهدف المشتبه بهم. كما يتم التركيز على استجواب الموقوفين للحصول على معلومات إضافية قد تكشف عن شبكات أوسع من المتعاونين أو عن طرق عمل جديدة للتعاون.
- عمليات التوقيف: تستهدف الحملة أفراداً يُعتقد أنهم يقدمون معلومات لإسرائيل، سواء كانت معلومات عسكرية، أمنية، أو حتى مدنية قد تساعد في استهداف أفراد أو بنى تحتية.
- التوسع في النطاق: التأكيد على استهداف "من يتستر عليهم" يعكس رغبة الأجهزة الأمنية في تفكيك أي بيئة حاضنة للمتعاونين، مما يوسع من دائرة الملاحقة لتشمل أفراداً قد لا يكونون متعاونين بشكل مباشر ولكنهم يعلمون بأمرهم ولا يبلغون عنهم.
- السرية والفعالية: تتميز هذه العمليات عادة بدرجة عالية من السرية لضمان عدم تسريب المعلومات وللحفاظ على عنصر المفاجأة الذي يضمن نجاح المداهمات.
- جمع الأدلة: يتم التركيز على جمع الأدلة المادية والرقمية التي تدعم التهم الموجهة ضد المشتبه بهم، بما في ذلك الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب وغيرها من الوسائل التي قد تستخدم في التواصل.
تداعيات الحملة وأهميتها
تكتسب هذه الحملة الأمنية أهمية بالغة على عدة مستويات:
من الناحية الأمنية الداخلية، تسعى الأجهزة الأمنية في غزة إلى:
- ردع محاولات التجنيد: توجيه رسالة واضحة لكل من يفكر في التعاون مع الاحتلال بأن هناك متابعة حازمة وأن العواقب ستكون وخيمة.
- سد الثغرات الأمنية: تقليل قدرة إسرائيل على الحصول على معلومات استخباراتية قد تستخدم في عمليات عسكرية أو اغتيالات.
- تعزيز الثقة: بناء ثقة أكبر بين الجمهور والأجهزة الأمنية، خاصة وأن قضية التعاون تمس "الضمير الوطني".
أما على الصعيد المجتمعي، فغالباً ما تثير مثل هذه الحملات مخاوف بين السكان، خاصة فيما يتعلق بضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الموقوفين. وتدعو منظمات حقوق الإنسان باستمرار إلى ضرورة احترام الإجراءات القانونية الواجبة وتوفير كافة الضمانات للمتهمين. ومع ذلك، فإن النظرة العامة في المجتمع الفلسطيني تجاه المتعاونين عادة ما تكون سلبية للغاية، ويرون أن التعامل معهم بحزم هو ضرورة للحفاظ على النسيج الوطني والمقاومة.
تؤكد هذه العمليات أيضاً على التحديات المستمرة التي تواجهها السلطات الفلسطينية في غزة في سعيها للحفاظ على الأمن والاستقرار في ظل حصار خانق وصراع مستمر. إن قدرة الاحتلال على اختراق المجتمع الفلسطيني من خلال تجنيد المتعاونين تمثل تهديداً لا ينتهي، وبالتالي فإن جهود مكافحة هذه الظاهرة تُعد ركيزة أساسية في استراتيجية الأمن الكلية في القطاع.
في الختام، تعكس الحملة الأمنية الجارية في قطاع غزة، والتي تنفذها قوة "رادع" التابعة لحماس، عمق التحديات الأمنية التي تواجهها الإدارة الحاكمة في القطاع. وتهدف العملية إلى تفكيك شبكات التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي وتعزيز الأمن الداخلي، في محاولة لقطع طرق الاستخبارات التي يمكن أن تهدد استقرار القطاع وفعالية المقاومة. ورغم المخاوف المشروعة المتعلقة بالحقوق والإجراءات القانونية، تبقى قضية التعاون من القضايا الحساسة التي تتطلب تعاملاً حازماً من منظور السلطات المحلية.




