غزة على مفترق طرق: خبراء يحللون هشاشة التهدئة ومخاطر التصعيد
يقف قطاع غزة في مرحلة حرجة، حيث تتأرجح الأوضاع بين جهود حثيثة لتثبيت تهدئة هشة ومخاوف متزايدة من الانزلاق نحو جولة جديدة من الصراع العسكري. وتتوسط أطراف دولية وإقليمية، وعلى رأسها مصر وقطر وبدعم أمريكي، في محادثات مكثفة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل لنزع فتيل التوتر، إلا أن القضايا الجوهرية العالقة لا تزال تهدد بنسف هذه الجهود في أي لحظة، مما يضع مستقبل المنطقة على المحك.

خلفية الوضع الراهن
تأتي هذه التوترات في أعقاب جولات تصعيد سابقة أسفرت عن اتفاقات لوقف إطلاق النار، لكنها لم تعالج الأسباب الجذرية للصراع. ويعيش سكان القطاع، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، تحت حصار إسرائيلي-مصري منذ عام 2007، مما أدى إلى أزمة إنسانية واقتصادية خانقة. وتشمل بنود التهدئة غير المكتوبة عادةً وقف إطلاق الصواريخ من غزة مقابل تخفيف جزئي للحصار والسماح بدخول المساعدات ومواد إعادة الإعمار، وهي تفاهمات كثيراً ما تتعرض للخرق من الجانبين.
التطورات الأخيرة وجهود الوساطة
شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً في التوتر على طول الحدود، تمثل في إطلاق بالونات حارقة وقذائف صاروخية متقطعة من القطاع، ردت عليها إسرائيل بقصف جوي استهدف مواقع تابعة للفصائل المسلحة. وفي ظل هذه الأجواء، تكثفت التحركات الدبلوماسية، حيث زارت وفود أمنية مصرية رفيعة المستوى كلاً من غزة وتل أبيب، في محاولة لتقريب وجهات النظر وتثبيت قواعد وقف إطلاق النار. كما تواصل الدوحة دورها في تقديم المنح المالية التي تساهم في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية وتعتبر عاملاً مهماً في الحفاظ على الهدوء النسبي.
تتركز المباحثات الحالية حول مجموعة من المطالب المتبادلة التي تعيق التوصل إلى اتفاق مستدام:
- مطالب الفصائل الفلسطينية: تشمل رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، وتسريع عملية إعادة الإعمار، ووقف الإجراءات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بملف الأسرى.
- الشروط الإسرائيلية: تربط إسرائيل أي تخفيف جوهري للحصار أو تقدم في ملف إعادة الإعمار باستعادة جنودها الأسرى والمفقودين في غزة، وضمان توقف كامل لكافة أشكال الهجمات المنطلقة من القطاع.
العوامل المؤثرة على استقرار التهدئة
يؤثر على استقرار الوضع الهش مجموعة معقدة من العوامل الداخلية والإقليمية. داخلياً، تعاني غزة من معدلات بطالة وفقر قياسية، مما يخلق بيئة خصبة لليأس ويدفع باتجاه التصعيد كوسيلة للضغط. كما أن الحسابات السياسية للفصائل المختلفة، وعلى رأسها حركة حماس، تلعب دوراً في تحديد مستوى التوتر على الأرض. على الصعيد الإقليمي، تؤثر الأحداث في الضفة الغربية والقدس بشكل مباشر على غزة، حيث أن أي تصعيد في هذه المناطق يمكن أن يشعل الجبهة الجنوبية. كذلك، يعتمد استمرار الهدوء على مدى جدية والتزام الأطراف الإقليمية والدولية بممارسة الضغط على الطرفين لمنع الانهيار الكامل للوضع.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكتسب الجهود الحالية أهمية بالغة نظراً للنتائج الكارثية التي قد تترتب على اندلاع مواجهة عسكرية جديدة. فجولة تصعيد واسعة النطاق لن تؤدي فقط إلى خسائر بشرية ودمار هائل في البنية التحتية المتهالكة أصلاً في غزة، بل ستمتد تداعياتها لتهدد الاستقرار الإقليمي الأوسع. ويتابع المجتمع الدولي بقلق هذه التطورات، مدركاً أن الفشل في تثبيت التهدئة الحالية قد يفتح الباب أمام صراع أطول وأكثر عنفاً، يصعب احتواؤه. وبحسب محللين، فإن الأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأحداث، إما نحو هدوء طويل الأمد أو العودة إلى حلقة العنف المفرغة.




