غضب ترامب من إعلان كندي: كيف هدد مقطع فيديو لرونالد ريغان العلاقات التجارية؟
في خضم التوترات التجارية التي سادت العلاقات بين الولايات المتحدة وكندا خلال فترة رئاسته، كشف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أكتوبر 2018 عن غضبه الشديد تجاه إعلان كندي، معتبراً إياه إهانة شخصية ومحاولة للتلاعب، وهدد بأن هذا الإعلان سيكلف كندا ثمناً باهظاً. جاءت هذه التصريحات في وقت حساس، مباشرة بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق تجاري جديد بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، مما ألقى بظلاله على الإنجاز الدبلوماسي وأبرز الطبيعة المتقلبة للعلاقات بين الحليفين المقربين.

خلفية النزاع التجاري
شهدت العلاقات الأمريكية الكندية فترة من التوتر المتصاعد بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة. كان جوهر الخلاف هو إصرار ترامب على إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، التي وصفها مراراً بأنها "أسوأ صفقة تجارية على الإطلاق". بدأت المفاوضات الشاقة لإنشاء اتفاقية جديدة، وتزامنت مع فرض الإدارة الأمريكية رسوماً جمركية عقابية على واردات الصلب والألمنيوم من عدة دول، بما في ذلك كندا، مستندة إلى أسباب تتعلق بالأمن القومي. ردت كندا بإجراءات مماثلة على سلع أمريكية، مما أدخل البلدين في حرب تجارية محدودة زادت من تعقيد المحادثات الدبلوماسية.
الإعلان الذي أثار الأزمة
لم يكن الإعلان المثير للجدل من إنتاج الحكومة الكندية، بل كان جزءاً من حملة أطلقتها مجموعة ضغط مؤيدة للتجارة الحرة تُدعى "الكنديون من أجل طاقة ميسورة التكلفة". هدفت الحملة إلى حشد الدعم الشعبي للحفاظ على علاقات تجارية منفتحة مع الولايات المتحدة في مواجهة سياسات ترامب الحمائية. استخدم الإعلان مقطع فيديو تاريخياً للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، وهو شخصية تحظى باحترام كبير في الحزب الجمهوري. يعود المقطع إلى خطاب ألقاه ريغان في عام 1988، حيث أشاد بالصداقة العميقة بين البلدين وباتفاقية التجارة الحرة بينهما، قائلاً: "لا يمكن أن يكون هناك أصدقاء أفضل منا". كان هدف الإعلان هو التذكير برؤية ريغان القائمة على التعاون والانفتاح التجاري، في تناقض واضح مع نهج إدارة ترامب.
رد الفعل الرئاسي الغاضب
خلال مؤتمر صحفي عُقد في 1 أكتوبر 2018 للإعلان عن نجاح مفاوضات اتفاقية USMCA، حوّل ترامب تركيزه بشكل غير متوقع إلى الإعلان الكندي. عبر عن استيائه الشديد، مدعياً أن الكنديين استخدموا صورة ريغان بشكل مخادع. صرح ترامب بأنه أخبر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو مباشرة بأن الإعلان "سيكلف كندا الكثير من المال". كما زعم أنه رفض عقد لقاءات ثنائية مع ترودو بسبب الخلافات التجارية. بدا أن ترامب اعتبر استخدام شخصية جمهورية أيقونية مثل ريغان في سياق ينتقد سياساته بمثابة استفزاز شخصي، ووصف الحملة بأنها "عملية احتيال".
الأهمية والتداعيات
أبرز هذا الحادث مدى تأثر السياسة الخارجية والتجارية في عهد ترامب بردود الفعل الشخصية بدلاً من الاعتبارات الدبلوماسية التقليدية. فعلى الرغم من أن البلدين كانا قد توصلا للتو إلى اتفاق تجاري تاريخي يهدف إلى تهدئة التوترات، فإن غضب الرئيس من إعلان تلفزيوني كاد أن ينسف الأجواء الإيجابية. كشفت الواقعة عن عمق الخلافات ليس فقط على مستوى السياسات، بل أيضاً على المستوى الشخصي بين قادة البلدين. في النهاية، تم التصديق على اتفاقية USMCA ودخلت حيز التنفيذ، واستمرت العلاقات التجارية. ومع ذلك، بقيت هذه الحادثة مثالاً حياً على مدى هشاشة العلاقات الدبلوماسية في تلك الفترة، وكيف يمكن لعامل غير متوقع أن يشعل أزمة بين حليفين تاريخيين.





