غياب ترامب عن قمة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا وإعلان المقاطعة الكاملة
أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في بيان مفاجئ صدر في وقت متأخر من يوم أمس، عن قراره بمقاطعة قمة مجموعة العشرين (G20) المقبلة والمقرر عقدها في جنوب إفريقيا. ووصف ترامب قراره بأنه "مقاطعة تامة"، مشيراً إلى أنه لن يشارك شخصياً ولن يرسل أي ممثلين عنه، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على الساحتين الدولية والمحلية وأعادت تسليط الضوء على نهجه في السياسة الخارجية.

الخلفية والأسباب المعلنة للقرار
وفقاً للبيان الذي نُشر على منصته للتواصل الاجتماعي، يعود قرار المقاطعة إلى مجموعة من الأسباب التي وصفها بـ"الجذرية". السبب الرئيسي الذي تم إبرازه هو اعتراض ترامب على الأجندة المقترحة للقمة، والتي يرى أنها تركز بشكل مفرط على قضايا مثل التغير المناخي والتحول إلى الطاقة النظيفة، مع إهمال ما يعتبره أولويات أكثر إلحاحاً مثل النمو الاقتصادي العالمي، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب. وأشار البيان إلى أن "القادة العالميين يستخدمون هذه المنصات لفرض أجندات يسارية متطرفة تضر بالعمال والصناعات في الولايات المتحدة والعالم".
إلى جانب الخلاف حول الأجندة، ألمح البيان أيضاً إلى توترات سياسية مع الدولة المضيفة، جنوب إفريقيا. وانتقد ترامب مواقف بريتوريا الأخيرة على الساحة الدولية، بما في ذلك علاقاتها الوثيقة مع دول تعتبرها إدارته السابقة خصماً، مثل الصين وروسيا. واعتبر أن استضافة جنوب إفريقيا للقمة في ظل هذه الظروف "يبعث برسالة خاطئة" ويضفي شرعية على سياسات تتعارض مع المصالح الأمريكية. ويأتي هذا القرار في سياق نهج "أمريكا أولاً" الذي تبناه ترامب خلال فترة رئاسته، والذي شهد انسحاب الولايات المتحدة أو تهديدها بالانسحاب من عدة اتفاقيات ومنظمات دولية.
ردود الفعل الدولية والمحلية
قوبل إعلان ترامب بردود فعل متباينة. ففي واشنطن، أعربت الإدارة الأمريكية الحالية عن أسفها للقرار، مؤكدة في بيان صادر عن البيت الأبيض على "أهمية المشاركة البناءة في المحافل متعددة الأطراف مثل مجموعة العشرين لمواجهة التحديات العالمية المشتركة". وأكد البيان أن الولايات المتحدة ستظل ممثلة على أعلى مستوى في القمة، في محاولة للتقليل من تأثير غياب ترامب.
وعلى الصعيد الدولي، أعرب عدد من قادة الدول الأوروبية عن قلقهم من أن هذه الخطوة قد تقوض الجهود المشتركة لمعالجة الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية. وصرح مسؤول في الاتحاد الأوروبي بأن "وحدة مجموعة العشرين ضرورية للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي، وأي انقسام يضعف قدرتنا الجماعية على الاستجابة". من جانبها، أصدرت حكومة جنوب إفريقيا بياناً مقتضباً أكدت فيه أن القمة ستُعقد كما هو مقرر، وأنها "ترحب بجميع القادة الملتزمين بالحوار البناء".
داخلياً في الولايات المتحدة، أيد بعض أعضاء الحزب الجمهوري قرار ترامب، معتبرين أنه يمثل موقفاً قوياً ضد "النخب العالمية" ويحمي السيادة الأمريكية. في المقابل، انتقد الديمقراطيون هذه الخطوة بشدة، واصفين إياها بأنها "عمل من أعمال العزلة الذاتية" التي تضر بمكانة الولايات المتحدة كقائد عالمي وتترك فراغاً قد تملأه قوى أخرى.
التداعيات المحتملة وتأثيرها على القمة
يثير غياب شخصية سياسية بارزة مثل ترامب عن قمة بهذا الحجم تساؤلات حول مستقبل التعاون الدولي. ويرى محللون أن هذه المقاطعة قد يكون لها عدة تداعيات مهمة، منها:
- تقويض مصداقية مجموعة العشرين: يمكن أن يُنظر إلى غياب لاعب رئيسي على أنه دليل على تراجع أهمية المجموعة كمنصة رئيسية للحوكمة الاقتصادية العالمية، وقد يشجع دولاً أخرى على اتخاذ مواقف مماثلة في المستقبل.
- تأثير على ديناميكيات القمة: قد يؤدي غياب صوت أمريكي محافظ وقوي إلى تغيير طبيعة النقاشات، مما قد يسهل التوصل إلى توافق في بعض القضايا مثل المناخ، ولكنه قد يعقد في الوقت نفسه القضايا المتعلقة بالتجارة والأمن حيث يكون الموقف الأمريكي حاسماً.
- رسالة سياسية داخلية: يُنظر إلى القرار أيضاً على أنه جزء من استراتيجية ترامب السياسية المحلية، حيث يستهدف قاعدته الانتخابية التي تتبنى وجهات نظر متشككة تجاه العولمة والمؤسسات الدولية.
- إضعاف الجبهة الغربية الموحدة: في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية مع قوى مثل روسيا والصين، فإن أي انقسام واضح بين الحلفاء الغربيين يمكن أن يُستغل من قبل الخصوم لتعزيز نفوذهم.
في الختام، يمثل قرار ترامب بمقاطعة قمة مجموعة العشرين تطوراً لافتاً يعكس الانقسامات العميقة حول دور أمريكا في العالم ومستقبل النظام الدولي متعدد الأطراف. وبينما ستمضي القمة قدماً، فإن غيابه سيظل محور نقاش رئيسي، وسيُختبر مدى قدرة المجموعة على تحقيق نتائج ملموسة في غياب أحد أبرز الأصوات السياسية على الساحة العالمية.





