مزاعم إغراق الجيش الإسرائيلي نفقاً بالإسمنت في رفح: تحليل الفيديو والوقائع
انتشر مقطع فيديو بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي في منتصف شهر مايو 2024، يزعم إظهار لحظات قيام الجيش الإسرائيلي بغمر نفق تحت الأرض بالإسمنت في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، مع ادعاءات بأن مسلحين كانوا محتجزين بداخله. أثار الفيديو ضجة كبيرة واستدعى تدقيقاً مكثفاً لتقييم مدى صحته وتطابقه مع الوقائع على الأرض.

سياق العمليات العسكرية في رفح
تأتي هذه المزاعم في خضم عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في رفح، التي تعتبرها إسرائيل "المعقل الأخير" لحركة حماس. تعد رفح، الواقعة على الحدود مع مصر، نقطة إستراتيجية حيوية، ليس فقط بسبب معبر رفح الحدودي، بل أيضاً لدورها المزعوم كمحور لشبكة أنفاق تستخدمها حماس لنقل الأسلحة والأفراد. أدت العملية العسكرية إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين وتصاعد القلق الدولي بشأن الأوضاع الإنسانية المتردية.
لطالما شكلت شبكة الأنفاق التابعة لحماس، المعروفة باسم "مترو غزة"، تحدياً كبيراً للعمليات العسكرية الإسرائيلية. تُستخدم هذه الأنفاق لأغراض متعددة، تشمل التخزين، نقل المقاتلين، شن الهجمات، وحتى احتجاز الأسرى. لذلك، فإن تدمير هذه الشبكة أو تحييدها يُعد هدفاً رئيسياً للجيش الإسرائيلي في أي عملية برية داخل القطاع.
الفيديو المتداول ومزاعمه
أظهر الفيديو المنتشر معدات هندسية ثقيلة تقوم بضخ مادة تشبه الإسمنت أو خليطاً سائلاً داخل فتحة أرضية، بينما تتصاعد أبخرة وأصوات توحي بعملية إغلاق قسرية. ادعى ناشرو الفيديو أنه يوثق عملية نوعية للجيش الإسرائيلي تهدف إلى إغراق نفق بشكل كامل، مما يمنع استخدام المسلحين المحتملين الموجودين بداخله من الفرار. أضافت المزاعم المتعلقة بوجود مقاتلين داخل النفق بعداً إنسانياً وأخلاقياً خطيراً للمقطع، مما زاد من سرعة انتشاره وتداولاته.
تم تداول المقطع بشكل مكثف على منصات مثل X (تويتر سابقاً)، تيك توك، وفيسبوك، غالباً مصحوباً بتعليقات غاضبة أو مؤيدة، مما يعكس الاستقطاب الشديد في الروايات المحيطة بالصراع.
جهود التحقق والنتائج الأولية
في أعقاب الانتشار السريع للفيديو، بدأت عدة مؤسسات إخبارية ومنصات لتدقيق الحقائق ومحللون في مجال المصادر المفتوحة (OSINT) في فحص المقطع بدقة. تضمنت عملية التحقق تحليل الإطارات، البحث العكسي عن الصور، ومحاولة تحديد الموقع الجغرافي للمشاهد.
كشفت التحقيقات أن الفيديو المتداول، في سياقه الذي يُزعم، كان مضللاً. فقد تبين أن اللقطات المستخدمة في المقطع هي عبارة عن تجميع لعدة فيديوهات من فترات زمنية ومواقع جغرافية مختلفة، ولم تكن كلها مرتبطة بالعملية الإسرائيلية الأخيرة في رفح أو حتى بعمليات إغراق الأنفاق بالإسمنت على النحو المزعوم. على سبيل المثال، تم تحديد أجزاء من الفيديو على أنها قديمة أو أنها تُظهر عمليات إنشائية عامة لا علاقة لها بإغلاق أنفاق عسكرية.
كما أشارت تحليلات أخرى إلى أن الجيش الإسرائيلي يستخدم بالفعل تقنيات مختلفة لتحييد الأنفاق، بما في ذلك التفجير بالمناجم والعبوات الناسفة، أو ضخ المياه لتدمير الهياكل التحتية. بينما يُعد غمر الأنفاق بالإسمنت تقنية محتملة، فإن اللقطات المحددة في الفيديو لم تستطع أن تصمد أمام التدقيق كدليل قاطع على حدوث هذه العملية في رفح في التوقيت الذي ادعاه ناشرو الفيديو، خاصة مع وجود مقاتلين بالداخل.
ردود الأفعال والتداعيات
لم يصدر عن الجيش الإسرائيلي تعليق مباشر بخصوص هذا الفيديو تحديداً، لكنه أكد مراراً التزامه بتدمير شبكة أنفاق حماس في غزة. من جانبها، لم تعلق حماس بشكل مباشر على الفيديو، لكنها أدانت بشكل عام العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ووصفتها بـ "جرائم الحرب".
تُظهر حادثة الفيديو هذه تحديات الحرب المعلوماتية الدائرة بالتوازي مع الصراع المسلح. ففي بيئة يسودها التوتر والتحيز، يصبح تداول المعلومات المضللة أو غير الدقيقة أمراً شائعاً، مما يزيد من صعوبة الفصل بين الحقيقة والشائعة. يؤثر ذلك بشكل مباشر على الرأي العام الدولي وعلى فهم الأحداث الجارية، ويُبرز أهمية التفكير النقدي والتحقق من المصادر.
الخلفية: حرب الأنفاق في غزة
تاريخياً، شهدت الصراعات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة تركيزاً كبيراً على الأنفاق. خلال عمليات سابقة، مثل "الجرف الصامد" عام 2014، كانت الأنفاق هدفاً رئيسياً للجيش الإسرائيلي. تتطور تقنيات بناء الأنفاق وتدميرها باستمرار، مما يجعلها ساحة معركة معقدة تحت الأرض.
تعتبر إسرائيل أن هذه الأنفاق تشكل تهديداً أمنياً مباشراً لحدودها ومستوطناتها، بينما تراها حماس أداة إستراتيجية أساسية لمقاومة الاحتلال. إن أي ادعاء يتعلق بأساليب تدمير الأنفاق، خاصة تلك التي تنطوي على طرق عنيفة أو غير تقليدية مثل الغمر بالإسمنت، يُثير فوراً نقاشات حول القانون الدولي الإنساني وأخلاقيات الحرب، مما يفسر سبب الانتشار السريع لمثل هذا الفيديو.
وفي ظل الوضع الإنساني المتفاقم في رفح، حيث يُعتقد أن مئات الآلاف من المدنيين محاصرون، فإن دقة المعلومات المتعلقة بالعمليات العسكرية تصبح أكثر أهمية لتقييم المخاطر وتجنب تضليل الجمهور أو تأجيج التوترات.



