مسؤول استخباراتي مصري سابق: علمنا بأسر جلعاد شاليط قبل إعلان حماس
كشف اللواء محمد إبراهيم الدويري، الذي شغل منصب وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية سابقاً، عن تفاصيل تتعلق بواحدة من أبرز الأحداث الأمنية في العقدين الماضيين، وهي عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وفي تصريحات تعود لعدة سنوات ولكنها لا تزال تكتسب أهمية في سياق الأحداث الإقليمية، أكد الدويري أن المخابرات المصرية كانت على علم بالعملية قبل أن تعلن حركة حماس مسؤوليتها عنها بشكل رسمي.

خلفية الحدث وتوقيته
وقعت عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 25 يونيو 2006، عندما نفذت فصائل فلسطينية مسلحة، من بينها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، هجوماً على موقع عسكري إسرائيلي بالقرب من معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة. أسفر الهجوم عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة آخرين، بالإضافة إلى أسر شاليط واقتياده إلى داخل القطاع. جاءت هذه العملية بعد أشهر قليلة من فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وفي ظل توترات متصاعدة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
دور الوفد الأمني المصري في غزة
أوضح اللواء الدويري أن وجوده في قطاع غزة في ذلك الوقت كان ضمن وفد أمني مصري رفيع المستوى. كانت المهمة الأساسية للوفد هي الإشراف على الترتيبات الأمنية المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي من القطاع، الذي اكتمل في سبتمبر 2005. إلا أن تفجر الأوضاع الأمنية والسياسية في غزة دفع الوفد إلى توسيع مهامه لتشمل الوساطة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وكذلك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في محاولة لمنع انهيار الأوضاع.
وبفضل هذا الوجود الميداني المكثف والشبكة الواسعة من العلاقات ومصادر المعلومات، تمكن جهاز المخابرات المصري من الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة وفورية حول ما يجري على الأرض. ووفقاً لتصريحات الدويري، فإن خبر أسر شاليط وصل إلى الوفد المصري عبر قنواته الخاصة قبل أن يصدر أي إعلان رسمي من الجهات التي نفذت العملية.
أهمية المعلومة المبكرة
لم تكن معرفة مصر المبكرة بالحدث مجرد سبق استخباراتي، بل كانت عاملاً حاسماً في تحديد مسار الأحداث اللاحقة. هذه المعلومة مكنت القاهرة من التحرك سريعاً لبدء جهود وساطة مكثفة بهدف احتواء الموقف ومنع تصعيد عسكري واسع النطاق. وقد ردت إسرائيل على العملية بشن عملية عسكرية كبيرة في قطاع غزة أطلقت عليها اسم "أمطار الصيف"، مما زاد من تعقيد الموقف.
- سرعة التحرك الدبلوماسي: سمحت المعلومة لمصر بفتح قنوات اتصال فورية مع كل من حماس والجانب الإسرائيلي.
- تأسيس دور الوسيط: رسخت هذه الحادثة دور مصر كوسيط أساسي وموثوق به في أي مفاوضات مستقبلية تتعلق بصفقة تبادل الأسرى.
- فهم الديناميكيات الداخلية: أظهرت قدرة المخابرات المصرية على فهم خريطة القوى داخل قطاع غزة والتواصل مع مختلف الأطراف الفاعلة.
السياق الأوسع لقضية شاليط
ظلت قضية جلعاد شاليط واحدة من أكثر الملفات تعقيداً على الساحة الإقليمية لمدة خمس سنوات. خلال هذه الفترة، قادت مصر، إلى جانب ألمانيا، جهود وساطة شاقة ومتقطعة بين حماس وإسرائيل. وانتهت الأزمة في أكتوبر 2011 بإبرام صفقة تبادل أسرى عُرفت باسم "وفاء الأحرار"، تم بموجبها إطلاق سراح شاليط مقابل الإفراج عن 1027 أسيراً وأسيرة فلسطينيين من السجون الإسرائيلية. وتعتبر هذه الصفقة من أكبر صفقات التبادل في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد لعبت مصر دوراً محورياً في إنجازها، بدءاً من اللحظات الأولى بعد عملية الأسر.
إن تصريحات الدويري تسلط الضوء مجدداً على الدور الاستراتيجي الذي تلعبه أجهزة المخابرات في إدارة الأزمات الإقليمية، وتؤكد على العمق التاريخي للدور المصري في القضية الفلسطينية كوسيط لا غنى عنه.





