مقترح القوة الدولية في غزة: نقاشات متجددة حول سيناريوهات ما بعد الحرب
مع استمرار الصراع في قطاع غزة، عادت فكرة نشر قوة دولية أو متعددة الجنسيات إلى الواجهة مرة أخرى ضمن النقاشات الدولية والإقليمية حول مستقبل القطاع. يهدف هذا المقترح، الذي يطرحه صناع السياسات والمحللون، إلى إيجاد آلية لإدارة الأمن وتحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب، وتجنب سيناريوهات الفوضى أو إعادة الاحتلال الإسرائيلي الكامل للقطاع.

خلفية المقترح وسياقه التاريخي
فكرة وجود قوات دولية في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليست جديدة، حيث طُرحت في جولات صراع سابقة كوسيلة للفصل بين القوات، أو لمراقبة اتفاقات وقف إطلاق النار، أو للمساعدة في بناء مؤسسات أمنية فلسطينية. ومع ذلك، لم تتحقق هذه المقترحات على أرض الواقع في غزة بسبب مجموعة من التحديات السياسية والعملياتية المعقدة، وأبرزها غياب اتفاق سياسي شامل وموافقة صريحة من الأطراف الرئيسية المعنية، وهي إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
المواقف المتباينة للأطراف المعنية
تختلف رؤى الأطراف الفاعلة بشكل كبير حول جدوى وتفاصيل أي قوة دولية محتملة، مما يعكس عمق الخلافات حول الحل النهائي للصراع. وتتوزع المواقف الرئيسية على النحو التالي:
- موقف الولايات المتحدة: تبحث الإدارة الأمريكية عن بدائل لتجنب إعادة احتلال إسرائيل لغزة أو بقاء حركة حماس في السلطة. تشير التصريحات الأمريكية إلى تفضيل قوة تكون بقيادة عربية، مع تجنب تورط مباشر للقوات الأمريكية على الأرض. وتشدد واشنطن على ضرورة أن تكون أي قوة جزءًا من مسار سياسي أوسع يؤدي إلى حل الدولتين.
- موقف إسرائيل: تاريخياً، أبدت إسرائيل تحفظاً كبيراً تجاه نشر قوات دولية قرب حدودها، معتبرة أنها قد تحد من حريتها في العمل العسكري لضمان أمنها. تشترط الحكومة الإسرائيلية الحالية أن أي ترتيب أمني مستقبلي في غزة يجب أن يضمن القضاء التام على القدرات العسكرية لحماس ويمنح إسرائيل سيطرة أمنية شاملة على القطاع.
- الموقف الفلسطيني: ترفض حركة حماس بشكل قاطع أي وجود عسكري أجنبي في غزة، وتعتبره شكلاً من أشكال الاحتلال. في المقابل، قد تبدي السلطة الفلسطينية مرونة أكبر تجاه الفكرة، لكنها تشترط أن تكون هذه القوة جزءًا من خطة دولية واضحة لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
- موقف الدول العربية: أبدت دول عربية رئيسية، مثل مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، حذراً شديداً من المشاركة في أي قوة عسكرية في غزة. وتربط هذه الدول موافقتها بوجود إطار سياسي شامل ومقبول من الفلسطينيين، وترفض أن تلعب دوراً أمنياً يخدم مصالح إسرائيل أو يدير الاحتلال نيابة عنها.
التحديات الرئيسية أمام التنفيذ
يواجه مقترح نشر قوة دولية عقبات كبيرة تجعل من تطبيقه أمراً صعباً في ظل الظروف الحالية. من أبرز هذه التحديات:
تحديد الولاية والهدف: هناك خلاف جوهري حول طبيعة مهمة هذه القوة. هل ستكون مهمتها حفظ السلام، أم فرض الأمن، أم نزع سلاح الفصائل، أم الإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار؟ كل مهمة تتطلب تفويضاً مختلفاً وقبولاً من الأطراف.
التمويل والتشكيل: يبقى السؤال حول من سيمول ويشارك في هذه القوة مفتوحاً. تتطلب مثل هذه المهمة موارد مالية ضخمة والتزاماً طويل الأمد من الدول المشاركة، وهو ما قد لا يكون متوفراً بسهولة في ظل الأزمات العالمية المتعددة.
غياب الأفق السياسي: يرى العديد من المحللين أن أي ترتيب أمني مؤقت سيكون مصيره الفشل ما لم يكن مرتبطاً بمسار سياسي واضح وموثوق يؤدي إلى حل دائم للصراع. فبدون أمل سياسي، قد تتحول القوة الدولية إلى هدف للأطراف المتصارعة وتفقد قدرتها على العمل بفعالية.
في ظل هذه المعطيات، يبقى مقترح القوة الدولية في غزة مجرد فكرة نظرية قيد التداول، يعتمد تحقيقها على حدوث تحول جذري في مواقف الأطراف الرئيسية وتوفر إرادة دولية حقيقية لإيجاد حل سياسي شامل ومستدام.



