إدارة ترامب تقيد وصول الصحفيين لمكتب بالبيت الأبيض بدعوى حماية "مواد حساسة"
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أواخر عام 2017 عن قرار يقضي بمنع المراسلين الصحفيين من العمل في منطقة "المكتب الصحفي العلوي" بالبيت الأبيض. وقد بررت الإدارة هذا الإجراء بأنه ضروري لـ"حماية مواد حساسة" قد تكون مكشوفة على مكاتب الموظفين، مما يمثل تصعيداً في العلاقة المتوترة بالفعل بين الإدارة ووسائل الإعلام.

خلفية القرار وتبريراته
جاء الإعلان عن القرار من قبل السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض آنذاك، سارة هاكابي ساندرز، التي أوضحت أن وجود الصحفيين بشكل دائم في هذه المنطقة، المعروفة أيضاً باسم "الثور القلم" (bullpen)، يشكل خطراً أمنياً محتملاً. تقع هذه المساحة المكتبية خارج مكتب السكرتير الصحفي مباشرة، وتُعتبر موقعاً استراتيجياً للمراسلين نظراً لقربها من كبار المسؤولين في الجناح الغربي، مما يتيح لهم فرصة إجراء محادثات غير رسمية والحصول على معلومات سريعة خارج نطاق الإحاطات الصحفية الرسمية.
أكدت الإدارة أن القرار لا يهدف إلى تقييد الوصول إلى المعلومات، بل إلى تأمين بيئة العمل التي تحتوي على وثائق ومناقشات قد تكون ذات طبيعة حساسة. ووفقاً للتبرير الرسمي، فإن مكاتب الموظفين في تلك المنطقة قد تحتوي على أوراق ومعلومات لا ينبغي أن تكون متاحة بسهولة للمراسلين الذين يتجولون في المكان.
ردود فعل المؤسسات الإعلامية
قوبل القرار بمعارضة شديدة من قبل الهيئات الممثلة للصحفيين، وفي مقدمتها رابطة مراسلي البيت الأبيض (WHCA). وصفت الرابطة هذا الإجراء بأنه خروج عن تقاليد ممتدة لعقود من الشفافية والتعاون بين الإدارة والصحافة. وأعربت عن قلقها من أن يكون الذريعة الأمنية مجرد غطاء لتقييد قدرة الصحفيين على أداء عملهم ومساءلة المسؤولين.
جادلت المنظمات الصحفية بأن هذا التقييد المادي يحد من قدرة المراسلين على بناء علاقات مهنية مع الموظفين وفهم السياق الأوسع للقرارات السياسية. واعتبر الكثيرون أن هذه الخطوة تندرج ضمن نمط ممنهج لتقويض دور الصحافة الحرة، التي وصفها الرئيس ترامب مراراً بأنها "عدو الشعب".
سياق أوسع من التوترات مع الإعلام
لم يكن هذا القرار حدثاً معزولاً، بل جاء تتويجاً لسلسلة من الإجراءات والخطابات التي استهدفت وسائل الإعلام منذ بداية إدارة ترامب. وقد شملت هذه الممارسات ما يلي:
- تقليل وتيرة الإحاطات الصحفية اليومية التي تُبث على الهواء مباشرة.
- الهجمات اللفظية المتكررة من قبل الرئيس ترامب على الصحفيين والمؤسسات الإخبارية التي ينتقدها، ووصفها بـ"الأخبار الكاذبة".
- التهديد بسحب أو إلغاء تصاريح اعتماد بعض المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض.
لذلك، نظر المراقبون إلى قرار منع الوصول إلى المكتب الصحفي العلوي على أنه تحول من الهجوم اللفظي إلى فرض قيود مادية ملموسة، مما يمثل مرحلة جديدة في محاولات السيطرة على الرواية الإعلامية الصادرة من البيت الأبيض.
الأهمية والتأثير
تكمن أهمية هذا القرار في أنه لم يؤثر فقط على مجموعة صغيرة من الصحفيين، بل مسّ جوهر مبدأ الشفافية والوصول إلى المعلومات في أعلى مستويات السلطة. إن قدرة الصحافة على التفاعل بشكل غير رسمي مع المسؤولين الحكوميين تُعد عنصراً حيوياً في النظام الديمقراطي، حيث تتيح مراقبة دقيقة ومستمرة لعمل الحكومة.
اعتبر هذا الإجراء سابقة قد تشجع إدارات مستقبلية على فرض قيود مماثلة، مما يضعف الدور الرقابي للصحافة. وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية وراء القرار، فقد ترك أثراً دائماً على العلاقة بين البيت الأبيض والصحافة، وأبرز التحديات التي تواجه حرية الإعلام في بيئة سياسية تتسم بالاستقطاب الشديد.





