البيت الأبيض يفرض قيوداً على وصول الصحافيين إلى مكتبه الإعلامي
أثارت الإدارة الأمريكية الحالية جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية بعد تطبيقها إجراءات جديدة تحد من قدرة الصحافيين على الوصول إلى البيت الأبيض وتغطية أنشطته. هذه الخطوة، التي تم الإعلان عنها في الأشهر الأخيرة، أدت إلى تصاعد التوتر بين المسؤولين الحكوميين والمؤسسات الصحافية، وعلى رأسها جمعية مراسلي البيت الأبيض (WHCA)، التي حذرت من أن هذه القيود قد تقوض مبادئ الشفافية والمساءلة الحكومية.

خلفية العلاقة المتوترة بين الإدارة والصحافة
لم تكن العلاقة بين البيت الأبيض والصحافة دائماً مثالية، لكنها شهدت تدهوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة. في عهد الإدارة السابقة، أصبح من المعتاد تقليص عدد المؤتمرات الصحفية الرسمية، وتوجيه اتهامات متكررة لوسائل الإعلام بـ"الأخبار الكاذبة"، وسحب تصاريح صحافيين بارزين. ومع وصول الإدارة الحالية، كان هناك أمل في عودة الأمور إلى طبيعتها وإعادة بناء جسور الثقة، إلا أن الإجراءات الأخيرة أعادت المخاوف بشأن حرية الصحافة إلى الواجهة.
تفاصيل الإجراءات الجديدة
تتمحور القيود الجديدة حول نظام تصاريح الدخول الدائمة إلى البيت الأبيض، المعروفة بـ "البطاقات الصحفية الصلبة" (Hard Passes). بموجب القواعد المحدثة، أصبح تجديد هذه التصاريح يعتمد على مدى التزام الصحافي بحضور وتغطية الفعاليات داخل البيت الأبيض. وضعت الإدارة معايير محددة تتطلب من حامل البطاقة استخدامها بانتظام لتبرير الحاجة إليها، وهو ما اعتبرته الجهات الصحفية محاولة لفرض رقابة غير مباشرة.
تشمل النقاط الرئيسية للسياسة الجديدة ما يلي:
- ربط تجديد التصريح السنوي بحضور الصحافي في البيت الأبيض بنسبة لا تقل عن 50% من الأيام خلال فترة التقييم.
- إعطاء الإدارة سلطة تقديرية أكبر في منح أو رفض التصاريح بناءً على هذه المعايير.
- تأثير محتمل على الصحافيين المستقلين والمؤسسات الإعلامية الأصغر التي قد لا تمتلك الموارد لتغطية البيت الأبيض بشكل يومي.
بررت الإدارة هذه الخطوة بأنها تهدف إلى تنظيم عملية الدخول وضمان أن التصاريح تُمنح فقط لمن يحتاجها فعلياً، مشيرة إلى أسباب أمنية ولوجستية. ومع ذلك، لم تقنع هذه المبررات العديد من المراقبين والمؤسسات الصحفية.
ردود فعل المنظمات الصحفية
قادت جمعية مراسلي البيت الأبيض (WHCA) حملة الاعتراض على هذه السياسات، معتبرة إياها سابقة خطيرة. وفي بيانات رسمية، أكدت الجمعية أن هذه المعايير "تعسفية" ويمكن استخدامها كأداة لمعاقبة الصحافيين الذين يقدمون تغطية نقدية للإدارة. وأوضحت أن عمل الصحافة لا يقتصر على الحضور الجسدي في قاعة المؤتمرات، بل يشمل بناء المصادر والتحقق من المعلومات، وهي مهام قد لا تتطلب الحضور اليومي.
انضمت منظمات أخرى مدافعة عن حرية الصحافة إلى صوت WHCA، محذرة من أن هذه القيود تضعف الدور الرقابي للإعلام، والذي يُعد ركيزة أساسية في أي نظام ديمقراطي. وأشاروا إلى أن قدرة الصحافة على طرح الأسئلة الصعبة على المسؤولين دون قيود هي جزء لا يتجزأ من ضمان الشفافية الحكومية.
الأهمية والتأثير على الشفافية
تكمن أهمية هذه القضية في أنها تتجاوز كونها مجرد خلاف إجرائي حول تصاريح الدخول. إنها تمس جوهر العلاقة بين السلطة والإعلام، وتؤثر بشكل مباشر على حق الجمهور في الحصول على المعلومات. عندما يتم تقييد وصول الصحافيين، فإن ذلك يقلل من فرص مساءلة المسؤولين المنتخبين وصناع القرار. هذا الأمر يثير قلقاً بالغاً في وقت تتزايد فيه التحديات التي تواجه الديمقراطيات حول العالم وتنتشر فيه المعلومات المضللة. لا يزال الحوار مستمراً بين البيت الأبيض والمنظمات الصحفية لإيجاد حل، ولكن نتائج هذا الصراع ستشكل ملامح العلاقة بين الطرفين لسنوات قادمة.





