البيت الأبيض يفرض قيودًا جديدة على دخول الصحفيين إلى منطقة العمل الإعلامي
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلن البيت الأبيض يوم الجمعة، 4 أكتوبر 2024، عن تطبيق قواعد جديدة تقيد بشكل كبير حرية وصول الصحفيين المعتمدين إلى منطقة العمل الإعلامي العليا، المعروفة باسم "Upper Press". وبموجب الإجراءات الجديدة، بات يتوجب على المراسلين الحصول على موعد مسبق للدخول إلى هذه المنطقة الحيوية التي تضم مكاتب كبار مسؤولي الاتصال، بما في ذلك مكتب المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت.

تفاصيل القيود الجديدة وتأثيرها
تُعد منطقة "Upper Press" في الجناح الغربي بالبيت الأبيض مساحة عمل حيوية، ليس فقط لكونها تضم مكاتب فريق الاتصال الرئاسي، ولكن لأهميتها في تسهيل التفاعلات غير الرسمية والعفوية بين الصحفيين وكبار المسؤولين في الإدارة. ولسنوات طويلة، كان بإمكان الصحفيين المعتمدين التجول بحرية في هذا المكان، مما أتاح لهم فرصة طرح أسئلة سريعة ومتابعة التطورات بشكل مباشر. هذا النوع من الوصول غير الرسمي يعتبره الكثيرون جزءًا أساسيًا من آليات الشفافية والمساءلة الحكومية.
التنظيم الجديد ينهي هذه السياسة المتبعة منذ عقود، حيث أصبح الدخول إلى المنطقة مرهونًا بتحديد موعد مسبق مع الموظف المراد مقابلته. ووفقًا لبيان صادر عن مكتب الصحافة، فإن هذه الخطوة تهدف إلى "تنظيم بيئة العمل وضمان عدم مقاطعة الموظفين أثناء أداء مهامهم". إلا أن الصحفيين يرون في هذا الإجراء عائقًا كبيرًا أمام قدرتهم على جمع المعلومات بشكل فوري وفعال، حيث إن الكثير من الأخبار الهامة تنتج عن لقاءات عابرة وغير مخطط لها في أروقة البيت الأبيض.
ردود فعل غاضبة من المؤسسات الإعلامية
قوبل القرار بانتقادات حادة وفورية من قبل مجتمع الصحافة في واشنطن. أصدرت رابطة مراسلي البيت الأبيض (WHCA)، وهي الهيئة التي تمثل الصحفيين الذين يغطون الرئاسة، بيانًا قوي اللهجة أعربت فيه عن "خيبة أملها العميقة" من هذه القيود. وأكدت الرابطة أن هذا الإجراء "يخالف التقاليد المتبعة منذ فترة طويلة والتي تضمن وصول الصحافة بشكل مستقل إلى مقر السلطة التنفيذية".
وحذرت الرابطة من أن فرض نظام المواعيد المسبقة يمنح الإدارة سيطرة أكبر على تدفق المعلومات ويحد من قدرة الصحفيين على مساءلة المسؤولين بشكل فعال. كما انضمت العديد من المؤسسات الإخبارية الكبرى إلى موجة الانتقادات، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل تراجعًا في الشفافية. وقد لخصت ردود الفعل المخاوف الرئيسية في عدة نقاط:
- تقويض الشفافية: يرى الصحفيون أن تقييد الوصول المباشر يقلل من قدرتهم على مراقبة عمل الإدارة عن كثب.
- الحد من المساءلة: إن صعوبة طرح أسئلة عفوية على المسؤولين تجعل من السهل عليهم تجنب القضايا الحساسة.
- خلق سابقة خطيرة: هناك قلق من أن تصبح هذه القيود هي القاعدة الجديدة التي قد تتبناها الإدارات المستقبلية، مما يؤدي إلى تآكل مستمر لحرية الصحافة.
مبررات الإدارة للقرار الجديد
من جانبها، دافعت إدارة البيت الأبيض عن قرارها، مؤكدة أنه إجراء تنظيمي بحت ولا يهدف إلى عرقلة عمل الصحافة. وأوضح مكتب الصحافة أن منطقة العمل أصبحت مزدحمة بشكل متزايد، وأن الحركة المستمرة للصحفيين كانت تتسبب في إزعاج للموظفين وتعيق سير العمل. وشددت الإدارة على أن جميع قنوات الاتصال الرسمية، مثل المؤتمرات الصحفية اليومية والمقابلات المجدولة والإحاطات الإعلامية، ستبقى متاحة كما هي دون أي تغيير.
وصرح مسؤول في البيت الأبيض بأن الهدف هو "توفير بيئة عمل منتجة ومنظمة"، مشيرًا إلى أن القواعد الجديدة تتماشى مع الممارسات المتبعة في أفرع أخرى من الحكومة الفيدرالية. ومع ذلك، لم تنجح هذه المبررات في تهدئة مخاوف الصحفيين الذين يرون أن القيمة الحقيقية لوجودهم في البيت الأبيض تكمن في الوصول غير المقيد الذي كان يميزه عن غيره من المؤسسات الحكومية.
السياق التاريخي وأهمية القرار
تأتي هذه الخطوة في سياق علاقة متوترة تاريخيًا بين الرئاسة الأمريكية ووسائل الإعلام. وعلى الرغم من أن كل إدارة شهدت فترات من التوتر مع الصحافة، إلا أن فرض قيود على الحركة المادية داخل مناطق العمل الإعلامي المخصصة يعد أمرًا نادرًا ومثيرًا للقلق. ففي إدارات سابقة، كانت الخلافات تتركز غالبًا حول محتوى التغطية الإعلامية أو قرارات مثل سحب أوراق اعتماد صحفيين معينين، كما حدث في عهد إدارة ترامب.
يمثل الوصول شبه المفتوح إلى الجناح الغربي رمزًا للديمقراطية الأمريكية والالتزام بمبدأ حرية الصحافة. وهذا القرار يضع الإدارة الحالية في موقف دفاعي أمام اتهامات بمحاولة التحكم في الرواية الإعلامية وتقليص الرقابة العامة. ويراقب الخبراء والمدافعون عن حرية الصحافة هذا التطور عن كثب، محذرين من أنه قد يمثل بداية لنهج أكثر تقييدًا في التعامل مع الإعلام في المستقبل.





